رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب :❝ الطفولة بين فكي الحوثي والشرعية: ملهاةٌ اسمها الوطن ❞

في بلادٍ كانت تُعرف يومًا بـ”اليمن السعيد”، أصبحت الطفولة سلعة سياسية، ضحية صراعات الكبار، ومسرحًا للدمى المحروقة.
هنا لا تنمو الأحلام، بل تُدفن وهي لازالت تحبو.
طفلٌ في صنعاء يتعلم كيف يُجهّز بندقيته، وآخر في تعز يتقن فن بيع البيض في الأزقة.
طفلة في الحديدة تحفظ أسماء القذائف أكثر من أسماء الزهور، وأخرى في مأرب لا تعرف شكل المدرسة لكنها تحفظ خارطة النزوح.
وفي عدن؟ يحدثك طفلها عن الانفصال قبل أن يعرف معنى الاتصال.
الحوثي: مصنع “الشهيد الصغير”
ما إن يبلغ الطفل في مناطق الحوثي العاشرة، حتى يُعامل كجندي مؤقت في حرب مقدسة لا يفهم منها سوى كلمات مثل “العدوان”، “المرتزقة”، و”الجهاد”، مع تسهيلات في التسويق عبر قوافل “التعبئة العقائدية”.
يُلقَّن الطفل بأن الشهادة أفضل من الحياة، وأن الجبهة أرحم من المدرسة، وأن الجوع جزء من الصمود.
وإن تذمر؟ فبعض “التأديب التعبوي” يعلّمه ألا يطلب حليبًا ما دام الإمام لم يحصل على طائرة.
في قاموس الحوثي:
المدرسة = منصة تعبئة.
الطفولة = مشروع شهيد.
اللعب = خيانة ثقافية.
الشرعية: حكومة فيسبوكية تحكم من فندق 5 نجوم
أما في معسكر الشرعية، فالأطفال يتمتعون بحرية “التسول”، ويمتلكون حق “البيع في الشمس”، ويمارسون ديمقراطية “النوم على الأرصفة”.
حكومة الشرعية تُصدر بياناتها عن أوضاع الأطفال من فنادق الرياض، ثم تغرد عن “اليمن الاتحادي” بينما الطفل الاتحادي يبحث عن لقمة لا يشم فيها رائحة الموت.
يسأل الطفل: “متى أعود إلى المدرسة؟”
فيرد الوزير من فندقه: “ننتظر توجيهات التحالف”.
يسأل الطفل: “أين راتب أبي؟”
فيرد المسؤول: “تحققنا من البنك المركزي، يبدو أن البيانات غير متطابقة”.
في جمهورية الشرعية:
الطفولة = وثيقة اعتماد دولية.
المعونات = حق حصري للمسؤول.
الوطن = وديعة معلقة في الرياض.
وطن بنكهة الشذاب والدم
أصبح الطفل اليمني يعرف كيف يُعد القات، لكنه لا يعرف كيف يتهجى اسمه.
يعرف صوت الطائرات أكثر من صوت جرس الحصة الأولى.
يحلم بسماع والده من خلف الحدود، لا بأن يصبح طبيبًا أو مهندسًا.
الطفولة في اليمن أصبحت “مهنة حرة”:
بائع متجول.
جندي صغير.
عامل في ورشة مهترئة.
شحات على باب مسجد.
كل شيء ممكن… إلا أن يكون طفلًا.
نهاية درامية… بلا خاتمة
منذ سنوات، كتب العالم على أوراقه: “اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم”،
لكن هل سمع أحد بكاء الطفل الذي يُقايض لعبته برغيف؟
هل رأى أحد صورة الطفل الذي يكتب على التراب لأنه لا يملك دفترًا؟
هل فكر أحدٌ، أي أحد، أن يمنح الطفولة في اليمن لحظة راحة؟
الجواب ببساطة: لا.
لأن الطفولة في اليمن ليست أولوية، بل تفصيل صغير في خريطة صراع كبير.
لأن الجميع مشغول بـ”من يحكم”، بينما الوطن يتفسخ تحت أقدامهم.
ولأن الحوثي يريد جيلًا من “المجاهدين”، والشرعية تريده فقط حجةً إضافية في تقارير الأمم المتحدة.
الخلاصة؟
اليمن ليس بحاجة إلى نشيد وطني جديد، بل إلى أطفال لا يموتون قبل أن يكبروا.
وليس بحاجة إلى شرعية أو انقلاب، بل إلى ضمير.
لكن الضمير في هذا الوطن…
أصبح لاجئًا أيضًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى