سيرك الدموع ـــ بقلم ـ د.ماجد عبدالقادر

سيرك الدموع
ودي لو أرقيكِ من لعنة البلاد فلا تبتئسين. دمعة تسقط على الشال الصوف للرجل القروي أمام المستشفى الحكومي بعد أن زادت أسعار تذكرة العيادة الخارجية و الصدر المريض الذى لم يعد يقوى على صعود السقالات ليحمل عليها قصعة الأسمنت، تهتز مفاصل الدار كما ترتعش يد صاحبها والعيال كثيرون ومن لمصاريف المدارس كل هذه السنوات من طلوع الفجر حتى الغروب ليجنبهم مثل هذا المصير ولا مفر سيخرجون من التعليم ويعملون في المعمار أبناء الفواعلية فواعلية مثل أبوهم أم تراهم كانوا أبناء الوزير.
دمعة بعيدا عن قبعات المتفرنجين أو أصحاب السراويل القصيرة ما الذى يمكن أن يقدموه لإمرأة في المخاض لا يعبأ بها أحد لأنها لم تعط التمرجي على الباب حلوان بينما زوجها حلف ألا يأتي معها وانتظر في الدار إما تجيء البشارة بالولد أو يطلقها لو جاءت بالبنت الخامسة.
دمعة للمريدين على المقهى بعد أن انفضت الليلة الكبيرة يحلفون أن السيد الولي صاحب السر و المقام كان حاضرا معهم الليلة وكان يقرضهم قرشه المبروك الذى لا يفنى.
دمعة للذين يتبادلون أخبار آخر من اهتدى ويوزعون أذكارا وكتبا يجمعون ثمنها من مصروفهم ويطبعون منها أعدادا قليلة على نفقتهم ويضاعفون حسابات الثواب.
دمعة حين يتذكر الشيوخ أيام الكفاح و أوقات الإضطهاد والمحابس وينتظرون لو تنقلب المنضدة وتدور الدوائر ويجدون أنفسهم يمتطون الجمال التى تأخذهم لإعتلاء رئاسة القبيلة بعد سنوات من النفى في الظل.
دمعة على الذين يعرفون أن أباهم كان صالحا ونصيرا للغلابة فيعملون سببلا بإسمه.
دمعة للذين لديهم بعضا من الحق وكثيرامن الغباء،لم ينزع بعد من قلوبهم الغل، مازال فيهم الحقد على الأغنياء. الذين يعبرون إلى الناحية الأخرى لا ينظرون ورائهم وينسون أصحاب الحاجة الذين صدعوا لأجلهم العالم، أما الذين يأخذون القوارب الخاوية في الرجوع هؤلاء الذين يعانون شيئا من الترف والدعة ويريدون أن يكونوا أصحاب قضية في هراء.
دمعة علينا نفغر أفواهنا في بلاهة أمام الشاشات ونبزل الجهد لأجل أن نبق أعيننا المجهدة مفتوحة. يصب في آذاننا القار ولم نعد نميز النهار من الليل،تسد علينا الطريق العربات الفارهة وننتظر إعلانات لنعمل مندوبين توصيل على الماكينات الرخيصة لتمتلأ بنا أقسام العظام في المستشفيات العامة.
دمعة على الأخت الكبيرة التى لم تجد عملا سوى فى عرض السيرك القومي تمشى على السلك وتنفخ الكيروسين في النار فيتوهج حلقها يكتفونها بالحبال ويشدون العقد فتتلوى وتحل نفسها، يضعون مصابيح الكهرباء على جسدها تنير بينما أمهاتنا تخرج في كل ليلة تنبش أكوام القمامة لتعيد تدويره و تبحث في البقايا لنا عن قوت للحياة.
د ماجد عبدالقادر مصر