رؤي ومقالات

وليد عبد الحي يكتب :المقاومة الفلسطينية ودبلوماسية الاسفنجة

لا اعتقد ان مضمون اعلان حركة حماس بخصوص مبادرة الرئيس الامريكي ترامب شكل أي مفاجأة للمتابع الموضوعي، ويمكن وصف الرد بأنه رد “مموه” قام على ركائز تفاوضية اربعة هي:
أ‌- امتصاص الضغط الدولي والعربي بالاعلان عن الافراج على ما تبقى من احياء او جثث من الرهائن ،مع عدم تحديد :
متى يتم الافراج ؟ ثم يتم الافراج بعد ماذا؟
كما أن الرد فيه حرص على استرضاء الرأي العام الدولي الذي تحرص المقاومة على بقاء زخمه الفاعل لصالحها.
ب‌- الهروب من “تحمل مسؤولية استمرار القتال” بخاصة ان اوروبا ” التي اعلن اغلبها مساندة مشروع الدولة الفلسطينية بدأت تتذرع ببعض التثاؤب في آليات تحقيق ذلك(بتغليب الجزرة على العصا) مع اسرائيل.
ت‌- التغافل المقصود عن اهم ما يعني اسرائيل وهو “نزع السلاح من يد المقاومة “.
ث‌- ان عبارة “تحتاج الى مزيد من التفاوض او النقاش ” الواردة في رد المقاومة تعني ان القبول مشروط بتحديد دقيق لكل جزئية من الجزئيات العامة وغير التفصيلية الواردة في خطة ترامب، والشيطان يكمن في التفاصيل.
بالمقابل فان اسرائيل تجد في قبول المقاومة نتائج ستعمل على استثمارها متسلحة بتكتيكاتها المعروفة في التفاوض وهي:
أ‌- تجزئة الموضوعات بخاصة التي تعنيها مثل الانسحاب( الاماكن والمواعيد وشروط كل موعد وكل مكان، الاستطلاع، العلاقة بقوات الامن الفلسطيني في غزة ناهيك عن بنية هذه القوات الامنية…الخ)، وهنا ستحاول اسرائيل تأجيل البت في هذه القضايا الى حين تنفيذ الطرف الفلسطيني التزاماته، فإذ نفذ يكون في وضع لا يستطيع معه “المماحكة”، بل يزداد الخلل في موازين القوى بين الطرفين.
ب‌- موضوع المساعدات : تدرك اسرائيل ان ادوات ضغطها الرئيسية في هذه المواجهة هي الضغط العسكري بخاصة على المدنيين من ناحية والضغط المدني من خلال التحكم التام بالمساعدات من ناحية ثانية، وهو ما يجعلها تزيد في المرحلة القادمة من اعتمادها على الضغط المدني – إذا تم وقف لاطلاق النار- من خلال ربط كل جزئية من جزئيات المساعدات بشروط( وبخاصة موضوع السلاح، وخرائط الانفاق ،ومصانع الاسلحة، وكافة الوثائق التي تمتلكها المقاومة..الخ)، وستحاول ان تدس جواسيسها في كل جزئية من جزئيات المساعدات.
ت‌- محاولة شق الصف الفلسطيني بخاصة بين حماس والجهاد الاسلامي (كما فعلوا مع منظمة التحرير بعد أوسلو ونجحوا في شقها )، بخاصة ان درجة ارتباط حركة الجهاد بثالوث الوساطة(امريكا ومصر وقطر) ليس على ما يرام، وهو ما يمثل محاولة لاستغلال العلاقة بين الجهاد وايران لمزيد من التاليب عليها.
ث‌- العمل على تحقيق مآربها ومصالحها باسرع وقت ،وتأجيل تنفيذ ما هو لمصلحة المقاومة(على غرار قضايا الحل النهائي في اوسلو (حتى الآن لم يحل موضوع القدس او المستوطنات…الخ بعد 32 سنة من الاتفاق) او على غرار ما يجري حاليا مع حزب الله من خلال مطاردة قيادته وعدم مغادرة اي موقع او وقف للعمليات واستمرار تصيد مقاتلي الحزب رغم اعلانها قبول الاتفاق مع لبنان ..الخ).
ج‌- اخذ المناقشات باتجاه قضايا جانبية تغطي على القضايا المركزية مثل : تغييب موضوع الدولة الفلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967، التغييب التدريجي لحقوق اللاجئين الفلسطينيين…الخ.
ح‌- محاولة استغلال “هدنة غزة” للضغط نحو مزيد من التطبيع العربي من ناحية ومزيد من خنق القوى السياسية العربية الرافضة للتسوية باي مستوى من ناحية ثانية.
اما البعد الامريكي ، فان نرجسية ترامب ستدفعه باتجاه المبالغة التامة في انجازه وبأنه توصل الى ما عجز كل حكام العالم عن الوصول له، ويبدو ان احد جوانب رد المقاومة على مشروعه كان مدفوعا “باشباع التلهف الترامبي للانجاز” لامتصاص تحذيراته الاخيرة بتحويل غزة الى جهنم. لكن ذلك لا يجب ان يخفي ان أكثر الناس اعتدالا في الفريق الحاكم في واشنطن حاليا هو ترامب ، فمقارنته بوزير خارجيته او وزير دفاعه يشير الى ذلك بوضوح، فكلاهما من دعاة “اليقظة الصليبية” ضد ما يعدونه ” الوحشية الاسلامية ” والتي يعتبرون المقاومة الفلسطينية في غزة جزءا منها.
فإذا استثنينا موضوع الرهائن ، وهو امر لا يبدو ان تنفيذه سيجاري لهفة ترامب ونيتنياهو في ايقاع تنفيذه، وستحاول المقاومة ان لا تقدم أحد اهم ما في رصيدها للمساومة الا بعد مماحكات بين الطرفين ، فإن اجراءات التسليم وتحديد اعداد الأسرى الفلسطينيين ، وظروف التبادل بخاصة وقف القتال وملابساته يجعل الامر اكثر تعقيدا ، فاسرائيل تعمل على اساس ان المقاومة ستستغل وقف اطلاق النار لترتيب اوضاعها الداخلية ومحاولة تهيئة الظروف لعودة اعداد كافية من المهجرين الى مناطقهم التي اجبروا على الانسحاب منها، وتخفيف المعاناة الانسانية بادخال المساعدات العاجلة…الخ. ويبدو ان رد المقاومة هو ما أغوى ترامب بالطلب من اسرائيل بوقف حملات القصف العسكري، وهو امر قد تنفذه اسرائيل بطرق ملتوية تفتح الباب امام اشكالات جديدة تتكئ عليها المقاومة للتشكيك بنوايا الطرف الاسرائيلي.
ولكن ما هي الآفاق العاجلة:
1- ان نزع سلاح المقاومة وان تكون غزة منزوعة السلاح لم يرد له أي ذكر في رد المقاومة على خطة ترامب…وهذا هو الموضوع المركزي لاسرائيل.
2- ان اعلان حماس عدم مشاركتها في الادارة المقترحة لغزة ليس جديدا، فقد اعلنته الحركة اكثر من مرة، لكن ردها الحالي تضمن تركيزا على “ادارة تكنوقراطية مستقلة فلسطينية” وهو امر لا يتسق مع بنية مجلس السلام الذي اقترحه ترامب، ولا يوضح ما إذا كان مجلس ترامب مقبولا او مرفوضا.
3- ان موضوع ترتيب الانسحاب الاسرائيلي من القطاع ما زال في غاية الغموض، فخطة ترامب تتحدث عن انسحاب تدريجي من ناحية والاحتفاظ بشريط حدود عازل لصالح اسرائيل ، بينما المقاومة تتحدث عن انسحاب تام وربط المراحل ببعضها.
4- ان نقطة الضعف التي حذرنا منها كثيرا هي اشكالية فريق الوساطة بين الطرفين، فالمقاومة تتفاوض مع ثلاثة خصوم لها احدهما هو الولايات المتحدة والطرفان الآخران أحدهما فرضته الجغرافيا ووهم الدور التاريخي والثاني بطل دبلوماسية الانابة وهو “مقاول من الباطن لصالح اكبر قاعدة عسكرية لسيده” كما اقر احد رموزه، وسيطرب كل منهما (ومن يعمل من العرب من وراء ستار) بمديح ترامب لدورهم، ناهيك عن اللهفة لخنق كل من يعارض التطبيع.
اميل للاعتقاد بأننا امام مناكفات جديدة قديمة، ومؤامرات بنسخ قديمة وجديدة، وبصراع سيتجدد باشكال مختلفة، وتبقى معادلة “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة” هو ما يجعلني غير قادر على النوم..ربما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى