مريم نعمي تكتب :مَن هو المنتصرُ الحقيقيّ في 7 أكتوبر؟

بعدَ موافقةِ حماس على خطةِ ترامب لوقفِ إطلاقِ النارِ في غزة، انقسمَ الشارعانِ العربيّ والغربيّ بين مؤيّدٍ ورافضٍ لهذهِ الخطوة. والمفارقةُ أنَّ المعترضينَ على هذهِ الموافقةِ هم أنفسهم الذينَ رفضوا منذُ البدايةِ عمليةَ 7 أكتوبر.
ويقابلُ هذهَ الموافقةَ انسحابُ الجيشِ الإسرائيليّ من قطاعِ غزة، وتولّي جهةٍ فلسطينيةٍ إدارةَ شؤونِ القطاع، الأمرُ الذي وضعَ نتنياهو في مأزقٍ داخليٍّ كبير. فقد شهدت تل أبيب مظاهراتٍ كثيفةً تُطالبُ بقبولِ الخطةِ وتسليمِ الرهائنِ ووقفِ إطلاقِ النار.
لم يعد أمامَ نتنياهو أيُّ خيارٍ لاستكمالِ حربِه على غزة، إذ أصبحَ موقفُه ضعيفًا أمامَ عائلاتِ الأسرى الإسرائيليينَ من جهة، وأمامَ بن غفير من جهةٍ أخرى، الذي يُهدّدُ بالانسحابِ من الحكومةِ إذا لم يتم القضاءُ على حماس.
ومع ذلك، من المؤكّدِ أنَّ نتنياهو لن يرضخَ بهذهِ السهولة، فمصلحتُه تكمُنُ في استمرارِ الحرب، لأنَّها ورقتُه الأخيرةُ لحمايةِ نفسهِ من المحاكمةِ في قضايا الفساد.
ويبقى السؤالُ المطروح: هل نجحَ نتنياهو في تحقيقِ أهدافِ حربِه؟
من المؤكّدِ أنَّ عمليةَ 7 أكتوبر كبَّدتِ المحورَ بأكملهِ خسائرَ ماديةً وبشريةً، لكنَّ نتنياهو فشلَ في إجبارِ حماس على تسليمِ الرهائنِ تحتَ النار، واضطرَّ للعودةِ إلى طاولةِ المفاوضات، حيثُ تنتهي جميعُ الحروبِ في نهايةِ المطاف.
لكن يبقى السؤالُ الأهمّ: مَن يضمنُ التزامَ العدوِّ الإسرائيليّ ببنودِ الاتفاق؟
خصوصًا بعدَ أن تخسرَ حماس ورقةَ الأسرى التي تمتلكُها اليوم.
وهل استطاعتِ الولاياتُ المتحدةُ أن تضغطَ على إسرائيل لوقفِ إطلاقِ النارِ في لبنانَ أولًا حتى تتمكّنَ من فرضِ التهدئةِ في غزةَ ثانيًا؟
منَ الأسئلةِ التي تُطرحُ اليوم: لماذا لم تُوافق حماس على هذا المقترحِ قبلَ عامين؟
الجوابُ بسيط، فالمقاوماتُ لا تعملُ بالعاطفة، بل بالعقلِ والحساباتِ الدقيقة. ومجردُ بقاءِ المقاومةِ الفلسطينيةِ صامدةً حتى اليوم يُعَدُّ انتصارًا بحدِّ ذاتِه، خصوصًا بعدَ مرورِ عامينِ على الحصارِ الخانقِ على قطاعِ غزة.
إنَّ حماس اليومَ مضطرةٌ لتقديمِ بعضِ التنازلاتِ التكتيكيةِ لإعادةِ بناءِ هيكليتِها الداخلية، خاصةً بعدَ استشهادِ عددٍ كبيرٍ من قادتها، وعلى رأسِهم الناطقُ الرسميُّ باسمِها أبو عبيدة، وبعدَ تدميرِ جزءٍ كبيرٍ من أنفاقِها، وارتفاعِ وتيرةِ التصعيدِ العسكريِّ والسياسيِّ الإسرائيليّ، الذي وصلَ إلى حدِّ استهدافِ القياداتِ في قطر، في ظلِّ تخلي معظمِ الأنظمةِ العربيةِ عن دعمِ حركاتِ المقاومة.
في المقابل، خسرَ نتنياهو حربَهُ الإعلامية، فيما دفعت غزة الثمنَ الأكبرَ من أرواحِ أبنائها. ومع ذلك، يبقى المنتصرُ الحقيقيُّ هو مَن استطاعَ أن يصمدَ في الميدانِ رغمَ التفوّقِ العسكريِّ والتكنولوجيِّ الهائلِ للعدوّ.
ولا شكَّ أنَّ عمليةَ 7 أكتوبر لم تُحقّق جميعَ أهدافِها، لكنَّها أعادت تعريفَ ميزانِ القوةِ والمعادلةِ السياسيةِ والعسكريةِ في المنطقة. وربما نكونُ على موعدٍ جديدٍ مع “7 أكتوبر أخرى”، في زمانٍ وميدانٍ مختلفين، فالمعركةُ لم تنتهِ بعد، بل تتخذُ شكلًا جديدًا من أشكالِ الصراعِ والمقاومة.
مريم محمد نعمي