وبعد ما …..بقلم عزوز العيساوي

وبعد ما
قرأت كتب الأنساب والأحساب
وكل أخبار العشق الخالدة.
وقصائد الغزل والعتاب..
أراني اليومَ كحَلَّاجٍ جديد،
أرجُمُ الحاضر بالغيب ،
وأرسمُ دائرة للمسموحِ والممنوعِ
وأخرى للكثير من الشك والرَّيبِ ،
و خطاطةٍ لقوانين على إيقاع الكفِّ والصفِّ..
ما في جُبَّتي
إلا انفاسي ودخانُ حروف تحترق..
أحمل في حقيبتي وطني
وبقية من حب قديم
و وعود أشبه بناقة عجفاء ،
ألْلقت بضرعها المحروم من الماء والحليب
على كثيب رمل حارقة ..
أَرتُقُ الخِرقة بالخِرقة،
بإبرَةٍ بَكمَاء تجُرُّ خَيطَ زمنٍ قديم
إلى زمن بلا وِثاقٍ..
أُلحِقُ الخُطوَةَ بالخُطوَة
خلفَ عُكَّازةٍ رعنَاءَ،
مُسافرًا في عالم الشّيحِ والتيهِ
والورد النائحِ والحنضل.
في دروبِ المحنة بلا خريطة،
أُمسحُ دُموعَ الحُمّى من العيون الذابلة
وأعيد البسمة للشفاه الساكنَة
على وُجُوهٍ تَأنسُ بالطينِ والتراب..
لأني مُتَيَّمٌ بالريشة والدوَاةِ،
وحِبرِي كأسُهُ من نار،
كل صباح أستحم بماء عِشقي
في أنهار الأحلام والأمنيات ..
وأشرب مأساة الكلام في حانات السُّلوانِ،
خَمرة معتقة حد الثمالة..
وبعد كل سكرة
أقرأ ألف قصيدة وبيت
أرسُمُ حُرُوفًا طالَها النسيانُ
لا تُباعُ بِصَكِّ الوِصايَةِ
في سوقِ الثقافةِ والنِّخاسَةِ،
كاسمِ مستعارٍ لِقَيْنَةٍ جميلةٍ أو عَبدٍ مكين أَوَّاب..
وفي حضرة الدراويش المخنثِين،
ورُعَاةِ البقر في الأدْيِرَة،
على ضفافٍ تنكُرني
و أرصفة الأحزان القاتلة.
أنادي شَدَّاد العبسي ليصرع كل سلالات الرياح،
ليعلق مصابيح لا تنطفئ في شوارع بالية
في مدن شاحبةٍ فارغة الأمعاء،
في مدن تخلط بين مكاييلَ النفطِ والقمح،
في شوارع المحنة والضياع..
ليكشفَ عَوْرَةَ وجوه وأقنعَة من تراب.
أنا من يرسم
لوحةً من سلالةِ التجريد
فيُعانقُ اللونُ أَنْسَالَهُ
تحت سَحَائبِ اللغَةِ المَسكونةِ بالمجَاز،
لتُنجِبَ القواميسُ بين أروقة التأويلِ
ألفَ معنى أو يزيدُ..
من رَحِمِ قصيدةٍ مُتَجَرِّدَةٍ
عارية من فساتين الغبارِ ونتانةِ الأزمنة..
جعلتُني منقوشا في الأحذاق
رغم أنف الظلام والأقنعة.
أحمل أشلائي بعد كل حرب
ولا أرحل عبر الأمكنة
أرحل في داخلي كثابوتٍ على وجهِ نهر خاشعٍ،
وليس لي إلا الصمت وصدى لغة ثانية ،
وكل تُهْمَتي قصيدة تقض مضاجعَ
الأبواب المُوصدة..