التفاهة حين تعلو أمة …بقلم عبد العظيم كحيل

التفاهة حين تعلو أمة في طريق الانحدار
حين تفسد المعايير… يختلّ الميزان …حين تضعف القيم وتُصاب المجتمعات بالانبهار الزائف، تختلّ الموازين فيُرفع التافهون ويُقصى أصحاب الفكر والعلم.
قال الله تعالى:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾
فلا يستوي من يبني العقول بمن يلهيها، ولا من يُنير البصائر بمن يُغشيها بالدخان.
لكن حين يَعمى البصر والبصيرة، يُصبح التافه نجمًا، ويُصبح العاقل عبئًا على المجتمع!
انظر حولك اليوم: أغانٍ لا معنى لها تُردَّد بالملايين،
وأشخاص بلا فكرٍ ولا علمٍ يُستشارون في قضايا الأمة والحياة،
بينما يُقصى العلماء والمفكرون ويُدفنون تحت ركام النسيان.
قال رسول الله ﷺ:
«إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهّالاً، فسُئلوا فأفتَوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا»
أسباب تفشّي ظاهرة التفاهة
🔹 ضعف الوعي وغياب التربية الفكرية
حين لا تُربّى الأجيال على التفكير والنقد، يصبح كل باهرٍ جميلًا، وكل ضجيجٍ شهرةً.
🔹 الإعلام الموجَّه والمحتوى الهابط
فبدل أن يكون الإعلام منبرًا للحق، صار سوقًا للترويج للغثّ والسقيم.
قال تعالى:
﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾
بينما يُقال اليوم: “زِدني متابعين”!
🔹 الفراغ القيمي وضعف القدوة
حين يغيب النموذج الصادق، يتقدّم المزيفون فيلبسون ثوب المجد الزائف،
فيتعلّم الناس أن الشهرة غاية، لا وسيلة، وأن المظاهر تغني عن الجوهر.
🔹 الإدمان على الترفيه والتقليد الأعمى
قال الله تعالى:
«وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ»
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾
وهي ذات الحال اليوم حين يتبع الناس موضاتٍ وأفكارًا لا يدرون أصلها ولا معناها.
تغييب العقول وتراجع القيم
حين تسود التفاهة، تُصبح الغفلة ثقافة، ويُصبح الجدّ استثناءً، فيُطفأ نور الحكمة ويُغتال الوعي.
سقوط القدوة وفقدان الثقة
يُصبح المهرّج بطلًا، والمفكر منبوذًا، فيختلط الحابل بالنابل، ويتيه الجيل بين ضوضاء الوجوه اللامعة.
انهيار منظومة الأخلاق
لأنّ ما يُروَّج له على أنه “فنّ” و“تسلية” يزرع في النفوس سطحيةً ولامبالاة،
فينشأ مجتمعٌ يُقدّر المظهر أكثر من المضمون، والصورة أكثر من المعنى.
قال رسول الله ﷺ:
«الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالمًا أو متعلمًا»
طريق الخلاص… كيف ننهض من الغفلة؟
إحياء دور العلم والعلماء
يجب أن يُعاد الاعتبار لصوت الحكمة والفكر، وأن تُفتح المنابر لأهل العلم لا لأهل اللهو.
بناء وعيٍ مجتمعي حقيقي
الوعي لا يُصنع بالشعارات، بل بالقراءة، والتربية، والنقد البنّاء.
قال تعالى:
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
محاربة الإعلام الهابط ونشر البديل النقي
لا يكفي أن نلعن الظلام، بل علينا أن نوقد شمعةً من فكرٍ راقٍ وأدبٍ نافعٍ ومحتوى يُنير.
إحياء الإيمان والضمير
حين يُوقظ الإنسان وجدانه، ويستشعر مسؤوليته أمام الله،
يعلم أن الكلمة أمانة، والفكر عبادة، وأنه مسؤول عما يُقدّمه أو يروّجه.
الخلاصة…
حين ترى التافهين يتصدّرون، والموضوعات الهابطة تتربّع على العقول،
فاعلم أنّ المجتمع يسير نحو الانحدار.
والتغيير يبدأ من الفرد، من وعيه، من اختياره لمن يُصغي إليه ويُتابعه.
كن من الذين «يستمعون القول فيتبعون أحسنه»،
ولا تكن ممن ضيّعوا أعمارهم في اللهو حتى جاءهم الموت بغتةً فقالوا:
﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾