حسام السيسي يكتب :الاحتلال ونظرية المرآة المشوّهة: حين يصبح التحرير وسيلةً للاستعباد،،،

ليست إسرائ//يل مجرد دولة احتلال، بل هي نظامٌ
يقوم على تناقضٍ تأسيسي يجعل من الازدواجية جوهر وجوده. فهي تشرعن اغتصاب الأرض بخطاب الضحية، وتقمع شعبًا كاملًا باسم “الحق التاريخي”، ثمّ ترفع فجأةً لواء تحرير الشعوب حينما تهددها عزلة الضمير.
بعد أن قطعت إسبانيا علاقاتها مع الكيان المحتل تضامنًا مع فلس//طين، لم تبحث تل أبيب عن سبيلٍ للمراجعة أو الاعتراف، بل عادت إلى روتينها القديم: التنقيب عن نقاط الضعف في جسد الآخرين.
هكذا التفتت إلى #كتالونيا #والباسك لتعلن تأييدها المفاجئ لحقهما في الانفصال. مشهدٌ فاضح يعري القلب المظلم للمشروع الص//هيوني: كيانٌ يرفض على الفلسط//ينيين حقهم في الهواء والماء والوجود، يتحول فجأة إلى ناشطٍ حقوقي يدّعي الدفاع عن تقرير المصير في أقاصي أوروبا.
ازدواجٌ أخلاقي يبلغ حد الفصام؛ فالمحتل الذي يمارس الإحتلال والقمع لا يرى غضاضة في أن يمنح “الحرية” لشعوبٍ أخرى بينما يخنقها في موطنه الأصلي.
لكن اللعبة لم تنجح هذه المرّة. أرادت إسرا//ئيل أن تجعل من الإقليمين ورقة ضغط، فوجدت نفسيهما يعلنان رفضًا أخلاقيًا صريحًا: #كتالونيا #والباسك، وهما رمزا الأزمة الداخلية الإسبانية، خرجا ببيانٍ يؤكد أن قضية #فلس//#طين لا تُقاس بمنطق المصلحة الضيقة، وأن الاستقلال شأنٌ داخلي لا يُتاجر به على أنقاض شعبٍ محاصر. سقطت الورقة من يد المحتل، وتكشّف عجزه الأخلاقي في لحظةٍ أراد فيها أن يصدّر أزمته. حاول أن يهرب من صورته في غزة والضفة فوقع في مرآته المشوّهة. مرة أخرى، انفضحت عقلية لا تفهم سوى لغة الفوضى والاختراق، ولا تملك أدوات سوى تضليل الآخرين حين تعجز عن مواجهة حقيقتها.
ما حدث ليس مناورة سياسية فاشلة فحسب، بل هو تعبيرٌ جوهري عن طبيعة الكيان نفسه. فإسرا//ئيل لا تعرف الاتساق إلا في التناقض، ولا تملك بقاءها إلا عبر ازدواجية الخطاب. للداخل تُبرّر القتل والتطهير العرقي باسم الأمن والبقاء، وللعالم تتزيّن بقناع الديمقراطية وحقوق الأقليات، وعندما يضيق الخناق عليها، تتحول إلى مُحررٍ زائف يُشعل الحرائق في الخارج كي يطفئ حريق ضميره في الداخل. إنها دولة تعيش على التناقض لا رغمًا عنه، تُعيد إنتاج خطابها المتناقض بوصفه آلية للبقاء لا خللًا طارئًا.
أما إسبانيا، فكانت النقيض الأخلاقي الكامل لهذا المشهد. لم يكن قرارها بقطع العلاقات مع الاحتلال مجرد فعلٍ دبلوماسي، بل إعلانًا إنسانيًا يستعيد ذاكرة الألم والكرامة. دولةٌ عرفت معنى الحرب الأهلية والفاشية، وتذوقت طعم الصمت الدولي أمام الظلم، قررت أن تقف في صفّ الضحية لا القاتل، في صفّ العدالة لا القوة. لم تُوازن بين الكلفة السياسية والمبدأ، بل اختارت أن تكون في جانب الإنسان، حتى لو بدا العالم كله على الضفة الأخرى.
وفي النهاية، لم تفعل إسرا//ئيل سوى ما اعتادت عليه: استبدال الحوار بالتضليل، واستبدال الأخلاق بالمناورة. لكنها هذه المرة اصطدمت بمرآةٍ لم تنكسر: من كانت تراهم “أوراق ضعف” تحولوا إلى أصواتٍ للضمير الإنساني. #كتالونيا والباسك، اللذان حاولت توظيفهم
لإضعاف مدريد، وقفا ليقولا إن فلسطين ليست ورقة في لعبة الأمم بل معيارًا لصدق الموقف الإنساني. وهكذا انكشفت الحقيقة من جديد: الاحتلال الذي يتحدث عن الحرية هو ربيب القمع، والدولة التي تدّعي الدفاع عن الحقوق هي التي تخاف من كلمة عدالة. أما إسبانيا، فقد منحت العالم درسًا نادرًا في السياسة الأخلاقية: أن تقول “لا” في وجه إسرا//ئيل يعني أن تذكّر العالم بأن للضمير مكانًا في السياسة، حتى وإن بدا العالم قد نسي.