قصة التاريخ ونصر أكتوبر…بقلم أحمد بركات

حين ينتصر الوعى قبل السلاح – قراءة فى فلسفة نصر أكتوبر
الحرب حين تكون الخيار الأخير:
الجهل بالهدف الحقيقى من المعركة أحد الأسباب الرئيسية لخسارة الحروب.
ففى التاريخ القديم أرسل نبى الله سليمان عليه السلام كتاباً لملكة سبأ يدعوها للإسلام، وإلا فالحرب :
“فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ”.
جمعت الملكة قادتها لتستشيرهم فقالو :
” نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ”. ،
لكن الملكة الحكيمة أدركت أن القوة وحدها لا تكفى لاختيار الحرب، فقالت :
” إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ “.
فصدقها الله فى قولها فقال ” وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ “.
وهكذا تظل الحرب هى الحرب، ترفع المنتصر وتلقى بالمهزوم فى ظلال التاريخ، وبين الرفع والخفض يتكبد الطرفان خسائر تجعل من الحرب دوماً الخيار الأصعب والأخير.
بين السوط والسيف واللسان :
سئل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن سياسته فقال :
” إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني”.
وهنا يتجلى معنى المفاوضات قبل السلاح. فإذا فشلت كل محاولات السلام دون نازل عن الثوابت فالحل فى قوله تعالى:
“فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم”.
حينها يظهر البطل الحقيقى .. ذاك الذى يتقدم حين يتراجع الجميع، فيقول الكلمة الحاسمة ويصنع النصر بيد ثابتة وقلب مؤمن.
ذلك أنه وإن كان للبطولة مقومات، إلا أنها لا تحتاج لمقدمات، ذلك أن البطل الحقيقى، هو الذى يظهر فى لحظة يتخلف فيها الجميع، ليقول كلمات من صفاتها الحسم، ويوجه ضربات لا يتخلف عنها النصر، فيقول أفضل كلمة، ويحقق أفضل نصر.
يوم تحطم القيد وانكسر الليل :
قال ايليا أبو ماضى:
ومن يتهيب صعود الجبال – يعش أبد الدهر بين الحفر
إذا الشعب يوما أراد الحياة – فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي – ولا بد للقيد أن ينكسر
وقد استجاب القدر وانكسر القيد يوم السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان، حين علمنا العالم كيف نحار فننتصر، وكيف نسالم سلام الأقوياء لا سلام الضعفاء
” وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”.
من أكتوبر 1973 الى أكتوبر 2025:
قال المتنبى :
يَرَى الْجُبَنَـاءُ أنَّ الْعَجْزَ عَقْلٌ – وَتِلْكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللَّئيمِ
وَكُلُّ شَجَاعةٍ فِي الْمَرْءِ تُغْنِي – ولا مِثْلَ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَكِيمِ
وهنا تتحد الكلمات وتتحد المواقف لتجمع بين الماضى والحاضر فى حرم التاريخ لنجد أنفسنا أمام بطلين بطل أكتوبر 1973 الرئيس السادات وبطل أكتوبر 2025 الرئيس السيسى.
مرت العصور ولم يتغير المكان وإن تغيرالزمان كثيراً، فالأرض هى الأرض، ومصر هى مصر، وتبقى الأفعال لا تنفصل عن الفاعل ..!! فلن يغفر للمذنب يوماً أن يقول كما قال قوم نبى الله ابراهيم :
” قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ”.
فرغم أن الآية تتحدث عن قوم نبى الله ابراهيم إلا أنها تتحدث عن ميراث عقدى ألا وهو إعتقاد الأبناء فى عقيدة الأباء، فكما لم يغفر للمذنبين تبرير أحطائهم بأبائهم، فلن يغفر اليوم لمن يكرر الخطأ تحت داعى الموروث أو المعتقد.
الحرب بين النقاء والقبح :
رغم مرور السنوات والحقب يبقى التاريخ هو التاريخ، شاهداً على وجود مُجرم يصر على جُرمه ووجود برئ يصر على طهره ، وسيظل دائما كل قبيح يبغض كل جميل قال تعالى عن قوم نبى الله لوط:
“وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ “.
سبحان الله لا يرغبون فى وجودهم لكونهم يتطهرون وهكذا سنن المجرمين ..ورغم أن الأية تتحدث عن فعل شاذ اعتاده قوم نبى الله لوط إلا أنها ترسخ لقاعدة ألا وهى “يظل دائما كل نجس لا يرغب فى أى طاهر”.
وهنا تكون الحرب فى قمة ذروتها، وان غابت عنها الأسلحة، فأعظم الحروب تلك التى تخاض بلا سلاح، لكنها تظل أعظم حروب كونها حرباً بين النقاء والقبح.
وسيكون المفتاح للنصر فى تلك الحرب لقائد مخلص وشعب يلتف حوله وجيش يضحى من أجل أرضه.
البطل الحقيقى :
ليس من الصعب أن تكون بطلاً، لكن البطولة ليست اختياراً، لكنها قرار.
البطل ليس مجرد كلمة، البطل هو رجل يظهر فى وقت الأزمات، عندما يختار الجميع الرجوع للمؤخرة لا يقبل سوى أن يكون فى المقدمة، مستعد دائما لمواجهة أى خطر، كلماته راقية لكنها حاسمة، يده حانية لكن ضربته موجعة، انسانلى فى كل المواقف لكنه جلاد حين يدافع عن أرضه.
هو شجاع وقت غياب الفرسان، ومغوار فى وقت الخطر، هو محارب عنيد فى وقت الشدة، لكنه إنسان مع كل البشر، الخلاصة هو جندى بسيط متخفى لا تأسره الأضواء، لكنه وفى ساعة الخطر تسلط نحوه كل الأضواء، الخلاصة هو بطل فى كل الأحوال، لكنه يظهر حين تغيب الأبطال.
…..
البطل هو أب مصرى لم تهزمه الأزمات، استطاع ومازال يستطيع أن يصنع لنا محارباً شرساً وقائداً عظيماً، البطل هو جندى مصرى عظيم لم تضعفه كل الضربات، البطل وبحق هو الشعب المصرى الذى سعى للنصر فانتصر، حين كان سيفه جندى مصرى لا يخشى الموت فى سبيل تحقيق هذا النصر،
قال نابليون بونابرت :
“لوكان عندى نصف هذا الجيش المصرى لغزوت العالم” .
وجاء فى مجلة الايكونست البريطانية :
” ما قام به الجيش المصرى يعد معجزة حقيقية لقد دمرت الدبابات الحديثة m48 عن طريق أفراد المشاة وأسقطت طائرات الفانتوم بصواريخ محمولة على الكتف “.
مصر .. حجزت مقعد دائم فى التاريخ :
فى كل انتصار عظيم هناك مقعد محجوز باسم مصر، التاريخ لا يكتب دونها، لا فى العصور القديمة ولا الحديثة، فلا تاريخ يذكر دون مصر، مصر جزء من التاريخ، فحين تبحث فى التاريخ بامتداده الفرعوني والاسلامى والعربى، ستجد مصر جزءً من التاريخ، يشهد أنها حاضرة وشاهدة وصانعة.
جاء فى دراسة ل وزارة الدفاع الأمريكية :
” لقد خرج العرب بعد أكتوبر وللمرة الأولى وهم صناع التاريخ وأصبح العالم العربى عاملاً مهما فى تحقيق التوازن السياسى فى المنطقة”.
وقال بطل الحرب والسلام أنور السادات :
” لقد قامت القوات المسلحة المصرية بمعجزة على أى مقياس عسكرى ويستطيع هذا الوطن أن يطمئن أنه أصبح لديه درع وسيف “.
وحمل الراية الرئيس عبد الفتاح السيسى ليؤكد أن :
“الجيش المصرى يبنى ويصون ويحمى ولا يعتدى، ومهما كانت قوتك هى قوة رشيدة “.
من يكتب التاريخ ؟! :
سئل تشرشل سؤالاً هامًا عمن يكتب التاريخ!!! فقال : “التاريخ يكتبه المنتصرون”.
بالفعل إن الأقوياء هم من يكتب التاريخ العامر بانتصاراتهم، حتى أن هزائمهم المسجلة في التاريخ والتي يعقبها انتصارات، ما كانت إلا لتؤكد على انتصاراتهم، على قدرتهم على تحقيق الانتصار بعد الهزيمة، فقد أكدت لنا هذه الهزائم، أن أعظم نصر هو نصر يعقب هزيمة.
لكن الحقيقة التي لابد أن نعلمها، أنه ليس كل معتدى ولو انتصر على حق، كما أنه ليس كل منكسر ومهزوم على باطل، ولكن من المؤكد أن التاريخ يكتبه كل منتصر، حيث تُسلب حينها أقلام كل المهزومين، ولكن هذا لا يحول دون بزوغ بعض من الحقيقة، حقيقة ستبقى وتُورث من جيل إلى جيل، ستُروى عبر حكايات البسطاء. تؤكد على أن التاريخ مدون فى عقول الصادقين الذى حفظوا الذاكرة من النسيان.
الكلمة لا ولن تموت :
تلك الذاكرة ستكون هو الإعلان أن الكلمة لا ولن تموت وإن غابت بين السطور، وإن غطتها الأتربه فى الكتب أو فى المكتبات بين جدران السجون، وإن أسرت فى المنازل أو فى المتاحف وسط بهرجة القصور، وإن ماتت فى الشباب وإن غابت فى الكهول، ستظهر فى الملامح وفى الحراك وفى السكون، ستظهر فى الحقيقة وفى السراب وفى الشجون، ستشرق كالشموس من العيون، ستنبض فى القلوب مخترقة كل الحصون، ستخرج فى الحقيقة من الظنون، ستبعث فى الحياة من الممات إلى الظهور.
نوايا المصلحون:
حينها سنعلم أن لغة المصلحين وإن كان قد تبدو فى ظاهرها لغة واحدة، وتحمل منطقا مقبولا، إلا أنها لا تحمل نفس النوايا والأهداف، وهذه هى حقيقة المشكلة ، حقيقة راسخة ومستمرة عبر العصور تؤكد أن النوايا الطيبة هى المعيار الحقيقى لتحقيق السلام.
ولأن الكلمة الصادقة مثل الجندى الشريف قد تصاب لكنها لا تموت.