ممصطفي السعيد يكتب :تصنيع وإنتاج الثورات يشوه جوهرها وينزع مضمونها التقدمي والوطني

أجرت حكومة الجولاني أغرب إنتخابات برلمانية في العالم، تم بمقتضاها تشكيل الجولاني لمجموعات أسماها “هيئات إنتخابية” تختار ثلثي أعضاء البرلمان السوري، أما الثلث الباقي فيختاره الجولاني “أحمد الشرع” بنفسه، أي أن الجولاني انتخب البرلمان بأكمله، ثلثين بتعيين غير مباشر، وثلث بتعيين مباشر – الغريب أن المنظمات الحقوقية الممولة، والغرب الأوروبي والأمريكي لم يشن أي حملة تندد باستبداد الجولاني، الذي جاء إلى الحكم بانقلاب مخابراتي شاركت فيه تركيا وإسرائيل والليبرالية الجديدة الأوروبية والأمريكية، وجرى استقبال حافل في أمريكا للجولاني بوصفه قائد الثورة السورية الديمقراطية.
كانت كلمة “ثورة” تبعث على التفاؤل، وتبشر بمرحلة جديدة أفضل، بتوجهات تنحاز لمصالح الأغلبية وسيادة واستقلال وتطور الدولة، وتنقيها من الفساد والقمع والظلم، وإذا بالمخابرات الغربية تحول الثورات إلى صناعة، يشارك فيها علماء نفس وإجتماع وتسويق وإعلام، إلى جانب المخابرات التي تشكل مجموعات من المتمولين المدربين على استخدام منصات التواصل وصناعة شعارات عامة تدفع الجماهير للمشاركة في احتجاجات، لتصبح أدوات في إسقاط نظام، لتأتي بالأسوأ منه، يكرس التبعية، وينشر الفساد، ويقوض الدولة .. هل كان يمكن تصور أن تتفجر مظاهرات في دولة مثل جورجيا تطالب بحرية تلقي التمويل الأجنبي، وترفع لافتات تندد بالرقابة على تمويل منظمات تسمى “المجتمع المدني” و”حقوق الإنسان” و”دعم الديمقراطية”. هل كنا نتصور إلغاء الإنتخابات في رومانيا مرتين لأنها لم تأت برئيس مؤيد لدعم أوكرانيا؟ هل تصورنا حملات اعتقال للآلاف في أوروبا وأمريكا لمجرد حمل العلم الفلسطيني؟ هل تصورنا صمت أوروبا عن اعتقال أردوغان للمرشح المحتمل لرئاسة تركيا، وإلعاء إنتخابات داخلية في الحزب المنافس، ليقطع الطريق أمام فوز أي معارض له؟ هذه الظاهرة الواسعة المعادية لأي مشاركة شعبية حقيقية أو إجراء تغييرات نحو الأفضل، وتحويلها إلى إنقلابات تحمل شكل ثورات وتسيء إلى مضمونها تحتاج إلى دراسة، يمكن الإستفادة من أدواتها، ومنع تحويل المطالب الشعبية إلى سلالم يصعد بها عملاء إلى مراكز السلطة لتنفيذ مخططات من يمولوها. وأن تستعيد شعارات الثورة وحقوق الإنسان جوهرها، وتغتسل من أوساخ التمويل الأحنبي والعمالة للغرب الإستعماري.