رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب :”على هامش الهامش” – الدبلوماسية اليمنية وسر اللقاءات الجانبية

في جمهورية اليمن السعيد، السعيد جدًا بإعلانات اللقاءات، تتكرر عبارة واحدة حتى ظننا أنها أصبحت جزءًا من دستور وزارة الخارجية: “التقى على هامش…”. أي أن اللقاءات الدبلوماسية اليمنية – مثل الطرائف – لا تحدث في المكاتب الرسمية، ولا تحت أعين العدسات، بل دائمًا في الزوايا، في الردهات، أو ربما خلف الميكروويف في صالة الضيافة!
في الدول العربية الأخرى، نقرأ:
“استقبل وزير الخارجية نظيره في مقر الوزارة وجرى بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك”
أو
“عقد الجانبان جلسة مباحثات موسعة في القصر الجمهوري”
أما في اليمن؟ فالدبلوماسية لا تعترف بالمكاتب، ولا بالمواعيد. كل اللقاءات تتم “على هامش”. على هامش مؤتمر، على هامش ندوة، على هامش فنجان قهوة في كافتيريا أممية. لدرجة أن البعض يقترح تعديل شعار وزارة الخارجية ليصبح:
“الجمهورية اليمنية – وزارة الشؤون الهامشية”!
قد يسأل أحدهم: “وما المشكلة؟ أليست اللقاءات الأهم أحيانًا تتم في الكواليس؟”
صحيح، ولكن المشكلة أن كل اللقاءات يمنية الطابع لا تحدث إلا في تلك الكواليس، وكأن اليمن لا تملك مقعدًا رسميًا على الطاولة، بل فقط كرسيًا قابلًا للطي خلف الستار!
نائب وزير الخارجية يلتقي مندوب النرويج… على الهامش.
وزير الخارجية يناقش أزمة البحر الأحمر… على الهامش.
مسؤول يمني يبحث ملف اللاجئين… على الهامش.
بالله عليكم، هل هذه وزارة خارجية أم مجموعة واتساب اسمها “الهامش الرسمي”؟
قارنها بدول عربية:
في مصر: اللقاءات تُعقد بـ”قصر التحرير”، وتُصدر بعدها بيانات من خمس فقرات، تبدأ بـ”في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين جمهورية مصر العربية و…”، وغالبًا تُختتم بصورة رسمية والعلمان خلف الوزيرين.
في الإمارات: يتم استقبال الضيف في مجلس رسمي، مع عبارات مثل “أكد سموه حرص الدولة على ترسيخ علاقات الشراكة الاستراتيجية…”.
في السعودية: “جرى خلال الاستقبال استعراض العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات”، وغالبًا يكون خلفهم ستار ذهبي وسجاد أغلى من الميزانية العامة لدولة أفريقية.
أما اليمن؟ فاللقاء قد يحدث في ممر الطابق الثالث لمبنى أممي، ويصدر عنه بيان مضغوط كعلبة سردين:
“التقى نائب الوزير نظيره… على هامش… وجرى بحث بعض القضايا”. وانتهى!
تحليل واقعي ساخر:
هل هذا مجرد اصطلاح؟ لا. إنها ذهنية دبلوماسية هامشية، انعكاس لحالة من التهميش السياسي والدبلوماسي الذي تعيشه البلاد، حتى في المحافل الأممية.
البيانات الصادرة بعد كل لقاء خجولة، سطحية، خالية من الروح أو التفاصيل. يبدو أن الحضور اليمني الرسمي لا يزال مقتنعًا أن أي تفاعل دولي هو “فرصة صدفة”، لا يستحق إلا بيانًا من ثلاث فقرات.
في زمن أصبحت فيه العلاقات الخارجية تُدار بذكاء استراتيجي، وشبكات نفوذ، وتحالفات تكتب بين سطور البيانات، لا تزال بعض الدول – مثل اليمن – تصر على التمسك بمبدأ “إن حضرنا، نحضر كضيوف عابرين… على الهامش”.
خاتمة ساخرة:
أقترح أن تطبع وزارة الخارجية اليمنية كتابًا رسميًا بعنوان:
“الدبلوماسية اليمنية: فن اللقاء على الهامش”،
ويتم تدريسه في المعاهد السياسية، كمثال حي على كيف لا تدير دولة علاقاتها الدولية!
وإذا استمر الحال، ربما نسمع قريبًا:
“على هامش الانتظار في طابور القهوة، التقى الوفد اليمني بمندوب إحدى الدول، وتم تبادل وجهات النظر حول بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك (والسكر قليل).”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى