حمزه الحسن يكتب :أوهام السلطة الشريفة

يقول البير كامو : “الحكومة بطبيعتها ليس لها ضمير، وأحيانا يكون لها سياسة” لأن السلطة تجمع مصالح تختلف في تفسير المفاهيم بما في ذلك الضمير والشرف لكن يجمعها ويحكمها القانون.
بعد أكثر من 23 سنة من الاحتلال ورغم كل مساحات الدم والخراب والقبور والمذابح والرماد والدموع والنهب والانحطاط العام والتفسخ،
ونحن نطرح الأسئلة المكررة المستهلكة، وعن ” الرجل القوي” المنقذ وليس المؤسسة القوية المنقذة، ونتحدث باعجاب عن الكارزما كعريس وليس عن الكفاءة والنزاهة.
الكلام عن” الدولة الشريفة” و” المسؤول الشريف” من القاموس الاخلاقي الذي يبسط كل ظاهرة مع ان الدول لا تتأسس على مفهوم الشرف لأن السلطة تجمع قوى وكيانات مختلفة ومتناقضة وتختلف في تفسيرها للشرف حسب عقيدتها وموقعها ومصالحها وتاريخها والدولة والمسؤول لا يحكمهم الشرف بل القانون لأن الشرف والسلطة أمران متناقضان تماماً.
الحكومة بطبيعتها ليس لها ضمير وأحيانا يكون لها سياسة. يقول ألبير كامو. نحن نتحدث عن السلطة بمفاهيم القبيلة عن الشرف والأخلاق في حين لا يردع أي سلطة غير القانون والرقابة الشعبية ووعي الناس.
يوماً كان تشرشل يحمل باقة زهور لوضعها على قبر صديق له وفي المقبرة التفت وقرأ على شاهدة رخامية هذه العبارة:
“هنا يرقد السياسي الشريف فلان “.
سياسي وشريف؟ التفت الى مرافقه وقال:
” هذه أول مرة أرى شخصين في قبر واحد”.
من يتحدثون عن الضمير والشرف في السياسة ، وهي مصممة على الكذب، يعتقدون ان السياسة محفل رهبان منعزلين أو دراويش أو تجمّع حكماء وأشراف في مضيف، وليسوا مجموعة أبالسة بل التجسيد الحقيقي للشيطان المقنّع ولا يردعه شرفه وضميره عن خيانة الامانة إلا بالقانون.
الدولة مؤسسة خدمات محايدة وثابتة ، وأما السلطة فمؤسسة سياسية متغيرة ونحن نخلط بين الإثنين ، رغم ان الدولة والسلطة والقبيلة في العراق تتداخل كمخالب الصقر في فريسة واذا خسر هذا الحزب، مثلاً، في الانتخابات، يعلن زبالوه الأتباع الاضراب العام عن العمل في حين عاشت بعض الدول شهوراً وحتى عاماً في أزمة سياسية بلا رئيس وزراء ولا حكومة لكن ادارات الدولة قامت بالتسيير الذاتي للخدمات لأنها تعمل حسب قواعد ادارية منفصلة عن النظام السياسي.
وهناك من يتحدث عن الشرعية الدستورية ووحدة الصف وهي لا تتوفر الا في المقابر لان الوحدة في التنوع والتعدد الثري،
ومن يتحدث عن الشراكة وهيبة الدولة والانتخابات والبرلمان والقانون والنظام،
وليس هناك أفضل من ما يسمى” المؤسسات الدستورية” في حماية النظام
ورعايته وإدامته،
وهو سر تمسك هؤلاء بهذه المؤسسات أكثر من تمسكهم بعقائدهم الدينية والسياسية والاخلاقية التي خانوها علناً،
كما لو ان كل تلك الجرائم لم تقع تحت هذه المفاهيم الخادعة.
ما جدوى الاسئلة عندما صار وضوح الصورة يعشي البصر؟ عادة ما يخسر الشرفاء والنبلاء المعارك مع الحمقى في السياسة وفي الثقافة وفي المجتمع لان الانسان الصادق مقيد بقول الحقيقة في حين الأحمق يستطيع المضي في كل الاتجاهات وخلق كل الاكاذيب لانه غير ملزم بالحقيقة ومن هذه الناحية هم اكثر” حرية” من الصادقين الذين هدفهم ايصال الحقيقة في حين هدف الآخر الانتصار لكنه انتصار مطرز بالجبن وبلا أفق ولا كرامة.
أفضل هدية ومكافأة تقدم للنظام أن يعيد طلاء مؤسساته ودستوره وإنتخاباته،
لأن زبائن ورواد كازينو القمار والرقيق وغسل الاموال والخطف والاغتيال والمافيات هم انفسهم عدا صبغ الواجهة والطلاء وبعض الشعارات
واللعب بالقواعد نفسها وتغيير بعض الحراس في الادارة لكن مُلكية الكازينو لصاحبها الأصلي.
بصرف النظر عن النوايا لأن السياسة فن التخطيط الاستراتيجي وتوقع الاحتمالات وبناء الخطط وتجاوز الماضي والقطيعة معه لا يمكن لقوى كانت المشكلة أن تكون هي الحل إلا اذا خالفنا قوانين العقل والمنطق والعلوم وتجارب البشرية.
سيخرج النظام منتصراً كعادته في كل مواجهة، وفي حساب” المصنع” المشغل ليس مهماً سقوط هذا الرأس أو ذاك، بل هو مهم لخلق وهم التغيير، ولا تعديل هذه الفقرة أو تلك، ولا صبغ هذه المؤسسة أو تلك،
ما دام البناء الأساسي هو نفسه والقواعد نفسها والقوى نفسها،
وسياسة قطع الرأس والابقاء على النظام سياسة تقليدية في النظم التابعة تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.
سيتغير طلاء الملهى أو الكازينو، نبدل الحراس والادارة وحتى بعض الشعارات، لكننا سنلعب بالقواعد نفسها بلا أي مساس بمُلكية العقار.
الذين يديرون هذه الأزمة، في الخفاء، عباقرة سياسة، وخبراء في علم إدارة الأزمات والتحكم بها، لأنه في علم الأزمات هناك مراحل: * ولادة الأزمة * صعودها أو هبوطها حسب الظرف * التلاعب بها*
* الذروة * النهاية،
وفي كل مرحلة من مراحلها يجري التلاعب بقوة وشدة أو تخفيض الأزمة،
وفي النهاية عندما يجد أطرافها أنهم في حالة حصار خانق،
ومتاهة منجورة، يجري تقديم الحل السحري كإنجاز: تعديل فقرات والغاء فقرات والنتيجة نحن أمام السلطة نفسها لكن بطلاء جديد. ثم يكتشف المواطن كما اكتشف مرات دون ان يتعظ أنه أمام النظام نفسه والقوى نفسها والأشباح الخفية نفسها بل المعركة نفسها لسنوات عجاف قادمة.