رؤي ومقالات

حمظه الحسن يكتب : السنوات العشر الجميلة

ـــــــ” نشر هذا المقال قبل 5 سنوات في 18 تشرين الثاني 2020 وما تزال الرؤية واضحة بل أثبتت السنوات دقته. لا ينقصنا الذكاء لكن ينقصنا الخيال. الوضوح جمال وصحة ومعرفة وأخلاق”.
في السنوات العشر القادمة على العراقي نسيان هذه القضايا العشر
لكي يخفض أحلامه ويكيف نفسه بلا أوهام ولا تطلعات ضخمة مرهقة،
وعوائد النفط ستغطي عيوب وعاهات دولة فاشلة كلما حدثت أزمة
وهذا النوع من الدول يتعايش ويقاوم الأزمات لسنوات كما في حال دول نفطية مجاورة وقريبة بدائية ومتوحشة.
أما من يرغب في التعايش مع أوهامه وأحلامه، فمن الأفضل ألا يقرأ
وعلم المستقبل Futurology أو Futures Studies مثل اي علم اخر يدرس
الظواهر ويخضعها للتحليل الموضوعي بناءً على تجارب ووقائع
وظواهر وأسباب خلاصة سنوات مكررة من الفشل والخداع،
وتقليص الصدمات والغموض والعشوائية واللايقين Uncertainty،
وينتهي الى نتائج للتحسب للمستقبل وهو علم تعرفه ربات البيوت في الغرب
ومراكز الابحاث والتسوق وخبراء الطب والهندسة والسفن والمصاعد والطيران
والطقس والاقتصاد والمخابرات ومؤسسات الزلازل والحريق والخ، وهناك دول وضعت صندوقا للادخار لاجيال لم تلد بعد وفي حين اكل جرادنا ثروة 3 اجيال: الماضي والحاضر والمستقبل.
ونحن لا نعرف هذا العلم بل خبراء في “علوم” السلف الصالح
كالشطح والتسلطن والدروشة والخيرة والمسبحة وقراءة الكف والتنجيم والعصاب والذهان حتى تتحول الهلوسة الى نظرية معرفة.
بعد سبع عشرة سنة ــــــــــــ وقت كتابة المقال ــــــــــ من الأوهام والنزيف والخداع المنظم وسحب الناس في نفق مظلم وطويل وأكاذيب،
تأخر الوقت لمواجهة الحقيقة لمن يريد أن يعرف وليس من واجب المثقف بيع الوهم للناس كما في ازمنة سابقة:
1: نسيان الدولة المدنية الراعية أو دولة المواطنة لأنه سيتأقلم مع دولة القبيلة والمنظمة السياسية والتجمع والجماعات العقائدية المتجانسة.
2: عليه نسيان التوزيع العادل للثروة، هذا لن يحدث أبداً ربما في ربع قرن.
3: نسيان فكرة الثورة والانتفاضة والتمرد بعد أن تم إستهلاكها بأشكال إستعراضية مكررة سطحية أفرغت مشاعر الناس من الغضب، وكان تكرار الخروج العشوائي تمارين فشل منظمة أو مرتجلة انتجت القنوط واليأس.
4: نسيان دولة الرفاهية والعقد الاجتماعي القائم على حقوق المواطن
مقابل واجب الدولة في الرعاية،
ستستمر دولة المنّة والمكرمة في الرواتب والخدمات وتقدم له حقوقه كمكرمة وانجاز ومكسب وهو ممتن وشاكر بل محتفل وسيستمر نظام التوسل بها من اجل العلاج والعدالة والسكن والشارع النظيف وهي مسرورة بهذا الركوع المذل وهو مصدق انه في زمن ديمقراطي.
5: نسيان ولادة جيل معافي وسليم ومثقف خلال السنوات القادمة،
في الشارع منذ سنوات سبعة ملايين طفل بلا تعليم ومشرد،
وهذه عملية مخطط لها بدقة كنوع من الابادة الثقافية للاجيال وعلى العراقي الإستعداد لمواجهة شرائح متوحشة لا تملك ما تخسره،
وكل من يعتقد أن بشراً سوياً يعيش تحت هذه الظروف لا يعرف
شيئاً عن الحياة والانسان لان الانسان السوي لا يُخلق في ظروف خانقة وقاتلة وقهرية تبتر نموه الطبيعي وتحدث انحرافا وجوديا في نظرته لنفسه وللحياة وللاخرين.
6: المجتمع ـــــــــ المستشفى النفسي سيتسع ويكبر ويتضخم، وبما أن جنون الحشود يأخذ شكل العقيدة، فلا غراب يقول لغراب وجهك أسود والعاقل هو المجنون الوحيد والبرئ هو الأبله الوحيد والأمين هو الغبي الوحيد.
الكل عباقرة واصحاب مشاريع اصلاح في المصح العام وكل القطط رمادية في الظلام.
العراقي هو الانسان الوحيد على وجه الأرض الذي يقلبها على شكل شاعر أو مصلح أو منقذ أو مثقف عندما يتخبل ويتسودن. العراق البلد الوحيد في العالم الذي فيه أعداد الشعراء أضعاف أعداد المقتولين والمشنوقين والفارين والمرضى. كيف حدث هذا الموت والخراب مع كل هذا العدد من عشاق العصافير والزهور والشعراء اللّنكات؟
7: نسيان الديمقراطية بالمعنى السوي والحقيقي كتوزيع السلطة،
توزيع الثروة، العدالة الاجتماعية، القانون، وليس الحق في أن تصرخ وتشتم ولا أحد يسمع،
والأهم أن ينسى تماماً حلم إنتخابات حرة ونزيهة ولو بالحد الأدني، لأنها ستحسم بالصفقات والتسويات والبيع والشراء كما السابق،
وسيكون هو شريكاً في حفل زور .
8: نسيان الدولة الوطنية التي تتعامل على أساس المواطنة وليست الهويات الفرعية، مع كل مخاطر الانقسام والتشرذم القادمة وخلق بنية التقسيم.
9: نسيان حلم النظام السياسي القائم كما لدى الشعوب على الامن والعدل والحماية والحقوق والواجبات، وليس نظاماً موزعاً على الأطراف والاشباح والسراديب وكل خواص المنظمة السرية والعصابات.
10: في حالة واحدة قد تنقلب الإمور : حرب إقليمية وتهاوي نظم حكم مجاورة لعوامل طارئة، وبلا ذلك ستستمر هذه السلطة في السيطرة وتتغير
الاشكال والوجوه دون أي تغيير جوهري، لأن التصميم الأصلي لها هو نظام متاهة ودوامة قائم على القوة والتبعية وسياسات التحايل والاستعراض ونهب الثروة من قوى محلية متعاونة مع قوى خارجية كلصوص عثروا على كنز.
هناك من يشعر باالانزعاج من تغيير افكاره وقناعاته حتى لو عرف انها خاطئة لانه تعايش مع الاوهام والاحلام الساذجة لسنوات وخلقت له نوعاً من الاستقرار والطمأنينة كطمأنينة الابقار تسرح في العشب قرب جدران المسلخ وأي تغيير في القناعات هو تهديد لهذا الاستقرار المزيف.
مع أن التاريخ لا يمضي دائما في مسار خطي واحد، بناء على أسباب منطقية وتسلسل،
وتلعب فيه عوامل غير متوقعة تبرزها أحداث طارئة كالحماقة والنزوة والصدفة والعامل الفردي في دولة لا يحكمها سياق ولا منطق ولا تسلسل أحداث ولا سبب ونتيجة ولا مشروع تنمية، وقد تظهر مثل هذه الاحداث لكنها
لن تغير المسار العام وستبقى عائمة على السطح كما جرى في السنوات الماضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى