رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب :اليمن… “مدى الحياة”!

بقلم: ( )
في بلاد تُقاس المناصب فيها بالعُمر الافتراضي للإنسان، لا بالعُمر الدستوري للموقع، تبدو عبارة “مدى الحياة” ليست وصفًا، بل نظام حكم رسمي غير معلن، ينطبق على كل شيء: نواب، سفراء، زعماء أحزاب، ومدراء إدارات لا يموتون، بل يتحولون إلى “أثاث مكتبي” متوارث مع العقود.
برلمان بتقنية الـ2003
لدينا مجلس نواب منتخب آخر مرة في 2003. نعم، عندما كانت الناس تحمل هواتف نوكيا 3310 وتفكّر أن الـ”بلوتوث” هو قمة التطور التكنولوجي. واليوم، في زمن الذكاء الاصطناعي وسيارات تسلا، لا يزال نفس النواب يتناقشون وكأن شيئًا لم يحدث.
مددوا لأنفسهم، ثم مددوا فوق التمديد، والآن يعيشون في حالة “شرعية ممتدة بالنيات الحسنة”. بعضهم مات، الله يرحمه. بعضهم سافر، الله يسامحه. والبقية يوقعون حضورًا بروح 2003.
زعماء أحزاب: إلى الأبد وما بعد الأبد
في اليمن، إذا أصبحت رئيس حزب، فغالبًا ستكون رئيسًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. الديمقراطية الحزبية عندنا أشبه بمقعد طيار أوتوماتيكي: يجلس عليه “الزعيم”، ويُمنع الاقتراب منه إلا بعد إذن من لجنة حكماء معمّرة.
الزعيم لا يُسأل، لا يُنتقد، ولا يُستبدل. وإذا حاولت، سيتم تهميشك، شيطنتك، ثم طردك بتهمة “الخيانة العظمى” أو “الإساءة للتاريخ النضالي للرفيق المؤسس”.
السفراء الأشاوس… من القنصلية إلى المقبرة
نمتلك سفراء تجاوزوا فترة الخدمة، والتقاعد، وحتى قوانين الفيزياء. بعضهم يجلس في الخارج منذ التسعينات، يُغيّر السفارات كما يغيّر ربطة العنق، وينقل نفس الرسائل منذ عهد الفاكس. لا يُسحب، لا يُحاسب، ولا حتى يُستدعى للسؤال: “إيش تسوي هناك؟”
تجده في مناسبة لتكريم الجالية اليمنية… في حفلة زفاف… في مؤتمر عن الاقتصاد الرقمي (وهو ما زال يستخدم Windows XP).
مسؤولون لا يُنسون
في اليمن، لا يوجد شيء اسمه “خارج الخدمة”، بل يوجد شيء اسمه “مؤقتًا مش في الصورة”. فالمسؤول يعود كما يعود البطل في المسلسلات: بعد الفاصل، بعد حرب، بعد مصالحة، بعد انقلاب… بس يرجع.
نفس الأسماء، نفس الخطابات، نفس الوعود. حتى الكذبة السياسية نفسها تُعاد تدويرها وكأنها منتج محلي ناجح.
الخلاصة؟
نحن نعيش في دولة مدى الحياة… لا مدى الدستور. من يظفر بمنصب، يعتبره وقفًا ذريًا له ولأحفاده. ولا توجد مشكلة في أن يتم التمديد، أو التحنيط، أو الإنعاش الاصطناعي للمناصب، طالما أن الشعب خارج دائرة القرار.
لكن – وبكل سخرية مشروعة – نقول:
يا سادة، هذه ليست دولة مؤسسات… هذه دولة “مقتنيات شخصية”.
ورغم ذلك، سيظل الأمل حيًا في جيل يسأل:
“متى تنتهي مدى الحياة؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى