حمزه الحسن يكتب :صناعة التقاليد

احتلت النازية النرويج في 9 نيسان 1940 وحكمت من خلال حكومة عميلة من شخصية نرويجية هو فيدكون كيسلينغ Vidkun Quisling كرئيس وزراء الذي أعدم بعد التحرير في قلعة أثرية وصار اسمه رمزاً للعار وشتيمة وعندما تقول لشخص أنت كيسلي فسوف يعتبر ذلك إهانة.
لم تتوقف الاعدامات على رئيس الوزراء بل قامت المقاومة النرويجية من خلال محاكم بإعدام المتعاونين والمتعاونات وقد طافوا بهن في الشوارع حليقات الرأس، وحتى اليوم ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ترفض النساء المتزوجات من جنود ألمان الاعتراف بالأبناء ويفضلن التخفي والسرية على مواجهة العار حتى صدر قرار قبل سنوات قلائل بغلق هذا الملف.
وكان من بين من واجه حكم الاعدام الروائي النرويجي كنوت همسون حامل نوبل وأستاذ الرواية حسب وصف وليم فوكنر الروائي الأمريكي لأنه قابل هتلر لغرض الافراج عن معتقلين من المقاومة بعد أن أشاد بهتلر وخلال المقابلة حدثه هتلر باعجاب عن روايته” وإخضرت الأرض” المترجمة للعربية لكن كنوت همسون المحافظ والذي يعيش في عزلة ريفية والمعتز بنفسه كان يعتقد انه أهم من هتلر الذي لم يكن يصغي له، لذلك قال هامسون باللغة الألمانية ” كأنني أتكلم مع حائط أصم”.
وعندما سمع هتلر العبارة حدق فيه كما يحدق الموت واشار له من دون كلام بالخروج وخرج هامسون وهم يشم رائحة الموت غير مطمئن لسلامته وبعد التحرير وقف أمام محكمة بتهمة التعاون مع المحتل وكانت المحكمة التي استمرت عامين على وشك اصدار حكم الاعدام لكن محاميه قال إن هامسون رجل مسن ويعاني من الخرف لانقاذه مما أغضب هامسون وجعله يؤلف كتاباً ليثبت للمحكمة انه بكامل قواه العقلية.
لكن حملة عالمية انقذته شارك فيها سارتر وهمنغواي ووليام فوكنر قامت على أساس أن هامسون منعزل ولا تتوفر وسائل انصال غير الراديو والصحف وخُدع بشعارات النازية وأطلق سراحه بغرامة محقرة.
عند فوزه بجائزة نوبل رفض الخروج للشرفة لتحية المهنئين لو لا الحاح زوجته الطيبة ماريا التي تحملته بصبر أسطوري لكنه اشترط عليها القاء كلمة قصيرة وفي الشرفة أطنبت ماريا في ملحمة شكر طويل لجاراتها وصديقاتها مما أغضب هامسون العنيد فقال لها على مسمع الحضور:
” نحن لم نتفق على هذا؟”.
حتى في فرنسا طالب البير كامو باعدام المتعاونين مع النازية وكان رئيس تحرير صحيفة الكامبا اي الكفاح للمقاومة السرية ودخل في سجال مع الروائي فرانسوا مورياك ــــــــــــ كلاهما حامل جائزة نوبل ـــــــــــ الروائي والشخصية الاكثر احتراما في فرنسا الذي قال ان الانسان لا يتحمل خطيئة ثانية بناء لمعتقداته الدينية الكاثوليكية وطالب بالغفران وكان رد كامو: “القصاص للضحايا نوع من الغفران”.
صدر في فرنسا” الكتاب الأسود” يتضمن أسماء الكتاب الذين تعانوا مع النازية كوصمة عار للتاريخ وكجزء من خلق تقاليد وطنية رادعة ووقائية للمستقبل.
بهذه الطريقة تخلق الشعوب تقاليدها الوطنية وحتى اليوم لم يتوقف الأدب النرويجي في الحديث عن عملاء النازية كما في رواية ” تصفية الخونة” للروائي جو نيسبو ــــ مترجمة للعربية مع ملف كامل مع باقي رواياته ومع الاسف القارئ العربي لا يعرف الكثير عن الادب الاسكندنافي وهو يختلف عن الادب الاوروبي والعالمي حيث لا اعاصير وتحولات سياسية عاصفة تقلب حياة الناس ولا حروب مباغتة وتدرج من الحداثة ويستطيع الانسان تنظيم حياته كما يحب بلا مفاجآت.