كتاب وشعراء

رؤية انطباعية للأستاذة: سما بغدادي- لقصيدة: من تحت الوسادة- للشاعر: أشرف شبانه

.
عندما اقتادتني شُرطةُ النَوْم،
و ألقتني علىٰ فِراشِ اللَوم؛
قيدَ الاعتقال،
نمتُ علىٰ ظهري
جثةً طافيةً في العُتم،
واضعًا ساقًا علىٰ ساق؛
محاولاً إستعادةَ..
كرامتي المهدورة
و إعادةَ رسم صورتي المهشّمة
في مرآةٍ مكسورة.

بدأ وكيلُ نيابةِ السُبات؛
التحقيق،
انفجرتْ ذاكرتي المغمورة؛
لتتطايرَ التساؤلات
كطيورٍ مذعورةٍ.. من حريق
تتقاذفني أمواجٌ..
في خضمٍ بلا شاطئ،
بلا أفقٍ، بلا إجابات.

مقاتلٌ لحظةَ وقوعهِ بالأسر؛
أمرَهُ العدوُّ بإسقاطِ السلاح
هكذا؛
سقطَت ساقي عن ساقي؛
اعتدلتُ علىٰ شقي الأيمن
لأطردَ الظلّ الذي
يزاحمني في المنام.

حيرتني ذراعاي؛ أين أضعهما!؟
ليت أنَّا نستطيع..
أن نضعَ أطرافَنا جانبًا..
عند النوم
كوضعِ ملابسَنا علىٰ الشماعات.

المهم؛تركتُ ذراعي الأيسر
علىٰ امتدادِ جسدي
فتكالبتْ الأوهام؛
جنديٌّ أنهكته الحراسة،
بخدمة ليلية،
سندت رأسي بكفي
تحت خدي الأيمن
و ادعيتُ الاستسلام.

بلغَ الفكرُ حدَّ الفوران
تفاقمت علاماتُ الاستفهام
كعيونِ بركان،
استدرتُ علىٰ الجانبِ الأيسر،
اشتعلت الذاكرةُ أكثر،
حقلٌ قُبيْلَ الحصاد
تدحرجتْ فيهِ كرةٌ من نيران

عندما ترتفعُ الحرارة،
علىٰ سطحِ الوسادة؛
أمر لا يطاق
دفنتُ رأسي تحتها،
كدفنِ الفراعنةُ للمومياوات
بجوفِ الأهرامات،
و أنا أتقلّبُ..
بين سطورِ قصيدٍ وليد،
بحالِ احتراق

رهنُ التوقيفِ، ها أنا..
مازلت هنا؛
معترفًا بهزيمتي،
قابضًا علىٰ قصيدتي؛
فقد تنقذُني من الغرق،
أو تُحرِّقُني بومضِها الأخير.

“قصيدةٌ من تحت الوسادة”
#ashraf_shabana

رؤية انطباعية عامه عن نص قصيدة من تحت الوسادة للشاعر اشرف شبانه وابعادها الرمزية والوجودية والفلسفية والجمالية بقلم أ. سما سامي بغدادي

******************************
لطالما تبهرنا شاعرنا المبدع بهذا الفيض الروحي المدهش الذي يعبر بنا الى مسافات وافاق بعيدة ندرك معه جمال اللغة وعمق المضمون في تأملات الذات الوجدانية والروحية والوجودية والكونية ، نص ابداعي من لون خاص يسمو بروح القارئ لاستقراء معاني الواقع المادي ومسمياته وفق رؤية جديده تدرك اطواق الذات ومايكبلها من هموم وأعباء عبر رؤية تجريدية خاصة تشبه حلم سريالي وجوله في ابعاد الكون والتأريخ ، عمل تأملي عميق ينسج رمزيته من لغة الجسد والنوم كمساحة احتجازٍ وحريةٍ في آنٍ واحد. شرطة النوم وفراش اللوم يتحولان إلى محاكاةٍ قضائية للذات ، و تحقيق داخلي يستجوب الذاكرة والكرامة، والسرير يصبح قفصًا وحقل حربٍ ومرآة مكسورة يواجه فيها الذات الانسانية صورتها المهشَّمة. هذه الصورة الرمزية تُفعّل الصراع بين الانكسار من الواقع والمقاومة في مواجهة الصراع ، وبين السكون الظاهر والعاصفة الداخلية.
على المستوى الجمالي، يشتغل النص بصورٍ حسّية وكونيه شفافة ورؤى تحمل معاني الوجع مثل — الساق التي تسقط، الرأس المدفون تحت الوسادة كدفنٍ فرعوني، النار التي تولد من الوسادة — فتتداخل حواس اللمس والحرارة والبصر لتنتج إحساسًا جسديًا بالاختناق والمقاومه والتسليم لللقدار عبر رؤية الموت والمدفن للامنية والرغبة في تحقيقها والاحتراق. الإيقاع المتقطع، وتكرار علامات الاستفهام وتراكم الأفعال يجعل القارئ يعيش حالة الانفعال والمشاركه بأبعاد الصراع في هذا الواقع المرير المليء بالمتاعب وحالة تأرجح ك تأنٍ ثم الاندفاع نحو المواجهة للحياة ، والصمتٌ ثم الفوران.

البعد الكوني للنص يظهر حين تتحوّل بنى النوم والذاكرة إلى مشاهدٍ شاملة: أمواج بلا شاطئ، حقل قبل الحصاد، أهرامات تحتضن مومياء الأفكار — هذه الدلالات تفتح النص على زمنٍ طويل ومكانٍ واسع، حيث يصبح الحلم ساحةً تتقاطع فيها الأساطير لذاكرة( الأكاشا) مع التاريخ والرؤية الكونية الشاملة للذات مع اتصالها بالذات الالهية . القراءة هنا تدعونا لأن نرى الذات كوحدةٍ صغيرةٍ داخل منظومةٍ أكبر من الزمن والأسطورة في بعد فلسفي صوفي مكنون وعميق
وجوديًا، القصيدة سؤال عن الهوية والكرامة في مواجهة الهزيمة المؤقتة. الاستسلام المعلن في السطور الأولى يتوازى مع قبضة الشاعر على قصيدته: القصيدة كجواز نجاة أو كمصباحٍ يحرق في لحظة الانعتاق. ثنائية الخلاص/الدمار تتجسد في خاتمة العمل وتضع القارئ أمام خيارٍ أخلاقي: هل تكون اللغة شفا أو نار؟ هذا السؤال الوجودي هو قلب النص النابض.
رمزية الأيدي والأطراف والملابس على الشماعات تضيف بعدًا فلسفيًا بسيطًا لكنه فاعل: الرغبة في تعليق الأوزار وممارسة فعل الامتلاك/التخلي عن الجسد كما نعلّق ثوبًا. هذه اللحظة تحمل حنينًا إلى نظمٍ ممكنٍ للحياة وإستعادة ابعادها الحيوية والواقعية ، حيث يصبح النوم فعل ترتيبٍ وليس هروبًا.

لغويًا، يثمر الشاعر في إستخدام التناصّات الحربية والجنائِيّة — وكيل نيابة السُبات، مقاتل، الحراسة — في تحويل تجربةٍ يومية إلى مشهد استثنائي، ما يمنح النص طاقته الدرامية. كما أن التناوب بين الجمل القصيرة والطويلة يساهم في خلق توترٍ إيقاعي يتوافق مع ثيمات القلق والارتجاف الداخلي.

أخيرًا، النص ينجح في خلق حالةٍ تأملية تخاطب القارئ على مستويات متعددة: الحسي، الأسطوري، الفلسفي. التاريخي المادي والكوني ، و هو قصيدةٌ عن الخسارة والكرامة والبحث عن خلاصٍروحي عبر فوضويات لفظية تعبر عنها القصيدة المكنونه في عمق الذاكرة — وقصيدتك هنا، أيها الشاعر، تؤكد أن الكلمة قد تكون قبرًا وظلاما ً أو مصباحًا ونورا وإشراقا ً، وقد تكون في لحظة واحدة كلاهما معًا.

نص إبداعي مؤثر. بوركت وابدعت شاعرنا النبيل

أ. سما سامي بغدادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى