
لم يُنهك سلم الكرملين الطويل؛ الرئيس السوري أحمد الشرع الذي لم يخف دهشته من السلالم الطويلة لمقر الرئاسة الروسية في مستهل حديثه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين؛ مازحا بأنه لولا ممارسة الرياضة بعض الشيء لكان الصعود صعبا.
بيد أن ما لم يقله الشرع في الجزء البروتوكولي من المباحثات؛ إن القيادة الجديدة في دمشق لم تجد صعوبة في الارتقاء بعلاقتها مع موسكو إلى مستو لم يكن متوقعا بحساب الماضي الملتبس للعلاقات خلال عقد ونصف تقريبا؛ حين وقف الكرملين بثقله العسكري والسياسي مع نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في عملية أطلق عليها عنوان “عملية مكافحة الإرهاب” واستهدفت بشكل خاص “جبهة النصرة” وامتدادها.. “جبهة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني” المحتفى به في القاعة الخضراء .
لا شيء ثابت في العالم غير المتغير؛ مقولة براغماتية تصنع السياسات على مر القرون والعهود؛ وكانت شعرة معاوية عنوانا رئيسا لسياسات الأسد الأب؛ مارسها بدهاء مع الشركاء الدوليين والإقليميين وفي المقدمة موسكو السوفيتية؛ لكنه قطع الشعرة مع المعارضة الداخلية وزج بهم في السجون ودمر مدنا بأكملها وأورث نجله بشار جسورا محترقة مع مجتمع متجذر في أعماق التاريخ وصولا إلى حرب أهلية أجهزت على بقايا الدولة المهترئة، حتى السقوط المخزي في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024.
حرصت موسكو، بعد فترة صمت لم تدم طويلا، على استئناف الاتصالات مع دمشق مستفيدة من تقدير الثائرين على نظام الأسرة الأسدية لموقف القوات الروسية المهادن والمحايد في الأسبوع الأخير من حياة النظام؛ وبات واضحا أن قوات “الجولاني”، وقد أطلقت على عمليتها اسم “ردع العدوان”، تقطع أوصال القطعات الحكومية مثل السكين الناعمة في الجبنة السويسرية؛ لا مقاومة تذكر ولا طيران روسي يعيق.
وخلافا للتوقعات بل للأمنيات لدى اللاعبين الخارجيين المعادين لروسيا؛ فإن قوات النظام الجديد لم تعتد على القوات الروسية في قاعدة حميميم ولا على السفارة والممثليات والثكنات الروسية في مختلف المناطق السورية؛ الأمر الذي أشاد به الرئيس بوتين في أول مكالمة للخط الساخن مع الشرع. وقد أكدت المصادر أن الرئيس السوري كان متجاوبا للغاية مع فكرة إحياء روح التعاون والصداقة التاريخية بين بلاده وروسيا الاتحادية.
استقبل بوتين بحضور عدد من وزراء السيادة في الحكومة الروسية وأبرز المساعدين؛ أحمد الشرع في قاعة الاستقبال الرسمية الخضراء؛ إحدى أفخم مضافات الكرملين التاريخية تعبيرا عن الحفاوة التي لم يحظ بها إلا عدد محدود من زعماء العالم؛ لم يكن بينهم الأسدان، فقد جرت العادة على استقبالهما في إحدى الصالات العادية سواء داخل الكرملين أو خارجه.
ولعل الشرع الذي وطأت قدماه سلم السياسة الروسية الطويل؛ يدرك المغزى؛ فيقصر من قائمة المطالبات وترحيلها إلى سلم آخر!