د. سلوي حمادة : التعليم بين الرقم والروح “صرخة في وجه نظام التقييمات”

تقول أ.د. سلوى حمادة الاستاذ بمركز بحوث الاليكترونيات التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي انها تكتب تلك الدراسة من ألسنة الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور الي جانب حوار مع معلمة بائسة :
أحاول هنا تسليط الضوء الأحمر على الخطر التربوي والنفسي الناتج عن تحويل التعليم إلى منظومة تقييمات رقمية جامدة، والدعوة إلى إعادة الروح الإنسانية للتعليم عبر إحياء حبّ المعرفة، وإعادة الثقة بين الطالب والمعلم ووليّ الأمر، وبناء جيلٍ مفكرٍ مبدعٍ لا مجرد حافظٍ للدرجات.
لقد أصبح التعليم في بلادنا — ويا للأسف — أسيرًا لنظامٍ جديدٍ يسمّى التقييمات.
نظامٌ أراد أصحابه به الخير، فكان كمن أراد إصلاح الساعة فحطّم تروسها.
أرادوا أن يُقاس التعلّم بالعدالة، فإذا بالعدالة تتحوّل إلى أرقامٍ جامدةٍ لا تعرف القلب ولا تعترف بالروح.
أصبح الطالب في مدارسنا يعيش تحت حصارٍ لا يُطاق، يُراقَب في كل لحظة، ويُحاسَب على كل حركة، حتى غدا التعليم عنده امتحانًا مستمرًّا لا راحة فيه ولا نهاية.
لم يعد يفرح بالمعرفة كما كان، بل صار يتهيبها.
يقرأ لا لأنه يحبّ القراءة، بل لأنه يخشى أن يُقيَّم بالسوء إن لم يقرأ.
والمعلم المسكين، الذي كان يومًا أمير الفصل، وصاحب الكلمة النافذة في عقول الناشئة وقلوبهم، تحوّل إلى موظفٍ يحصي الدرجات، ويمضي وقته بين الجداول والاستمارات.
يُطالبونه بأن يُقيّم تلاميذه كل حين، ثم يُقيّمونه هو بناءً على تلك التقييمات.
فكيف يعلّم من يُعلّم وهو خائفٌ على نفسه قبل طلابه؟
ثم انظر إلى أولياء الأمور، تراهم اليوم أكثر توترًا من أبنائهم.
كلّ إشعارٍ من المدرسة يُربكهم، وكل تقريرٍ يزرع في نفوسهم القلق.
لم يعودوا يسألون أبناءهم: “ماذا فهمت؟” بل يسألون: “كم حصلت؟”
فاختنق الحوار، وتبدّد الهدف، وصار التعليم عبئًا على البيت كما هو عبء على المدرسة.
إن هذا النظام الذي نُزِعَت منه الروح لن يورثنا جيلًا مفكرًا، بل جيلًا مرتبكًا، يتقن الإجابة ولا يجرؤ على السؤال، يحفظ ولا يفهم، يطيع ولا يبدع.
وما هكذا يُبنى الوطن، ولا هكذا تُصنع العقول.
إنّ التعليم رسالة، لا معادلة رقمية.
وإذا أردنا أن نُنهض به، وجب أن نردّ إليه إنسانيته، وأن نُعيد للمعلم مكانته، وللطالب حريته، وللبيت سكينته.
فالتقييم الحقيقي ليس ما يُكتَب على الورق، بل ما يُزرَع في الضمير، وما يُثمر في السلوك والفكر.