د. فيروز الولي تكتب :سفارة اليمن في بيروت: شعلة على السطح ومقبرة في الداخل!

من قال إنّ الدبلوماسية اليمنية ميتة؟!
كلا… هي فقط نائمة نومًا عميقًا في مقبرة من الإسمنت اسمها “سفارة الجمهورية اليمنية في بيروت”.
مبنى أنفقت عليه الدولة أكثر من مليون ومئتي ألف دولار أميركي، لكنه – ويا للمفارقة – لا يملك حتى مقعدًا يستقبل عليه زائرًا واحدًا دون أن يعتذر له عن حال الكراسي والجدران والروح المعنوية!
المسرح الكبير: سطح السفارة!
في بيروت، حيث تعجّ القاعات الفاخرة وصالات المؤتمرات الراقية، اختار السفير اليمني أن يقيم فعاليته الرسمية على… السطح!
نعم، السطح.
ولم يحضر من الجالية ولا من الضيوف أحد، سوى الأربعة الذين يملكون عضوية دائمة في هذا المسرح العبثي:
الابن المدلل فارس، الذي يحضر كل نشاط رسمي وكأنه “السفير تحت التدريب”،
المسؤول المالي الجديد الذي ربما ظنّ أن الحضور يعني وجبة عمل،
الحارس الشخصي التابع لحزب الله، في مشهد دبلوماسي لم نشاهد مثله حتى في الأفلام الكوميدية السياسية،
وأخيرًا العم عمر، حارس السفارة الذي يعرف أسرارها أكثر من الملفات السرية نفسها.
فعالية وطنية بحضور أربعة أشخاص، على سطحٍ مليء بأنابيب المياه ومكيفات الهواء.
هكذا تتحوّل الدبلوماسية إلى مسرحية هزلية بعنوان: “سفارة على السطح”.
ملايين بلا أثر… إلا في الفواتير
السفارة التي قيل إنّها خضعت لعملية ترميم بتكلفة بلغت 1.2 مليون دولار، لا تملك قاعة مؤتمرات، ولا ديكورًا رسميًا، ولا أثاثًا دبلوماسيًا، ولا حتى “رائحة دولة”.
بل أشبه بمستوصفٍ قديم في قرية نائية نسيه الزمن.
والمفارقة أنّ السفير – بعد كل هذا الصرف – يطالب الوزارة بمبلغ إضافي مقداره 237 ألف دولار، بدعوى استكمال الترميم.
فهل هي نية لإتمام المشروع أم محاولة لإتمام النسبة؟
السؤال برسم “الرقابة والمحاسبة”، إن وُجدت أصلًا!
اتفاقية فيينا… في إجازة مفتوحة!
تنص اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 (المادة 3) على أن وظيفة البعثة تشمل:
1. تمثيل الدولة لدى الدولة المضيفة،
2. حماية مصالحها ومصالح مواطنيها،
3. وتعزيز العلاقات الودية بين البلدين.
لكن في بيروت يبدو أن السفارة اليمنية تعمل بمبدأ آخر:
“تمثيل العائلة، حماية المصالح الخاصة، وتعزيز العلاقات مع السطح فقط!”
لا جالية تُستقبل، ولا طلاب يُرعى شأنهم، ولا أنشطة تُقام.
حتى البريد الدبلوماسي ربما يفضل أن يذهب إلى عنوان آخر.
من الدبلوماسية إلى العقارية
الوظيفة الدبلوماسية في المفهوم الحديث تعني تواصلًا حضاريًا وتمثيلًا وطنيًا.
لكن في بيروت، تحوّلت السفارة إلى مشروع عقاري عائلي: موظفون معدودون، زيارات نادرة، وكثير من الصور التذكارية التي تُرسل إلى الإعلام الرسمي لتزيين الغياب بالابتسامات.
أحد المراقبين قال ساخرًا:
“كلّ ما ينقص السفارة هو لافتة صغيرة تقول: شقة للإيجار – بإشراف السفير ونجله.”
من يراقب من؟
أين وزارة الخارجية اليمنية من كل ذلك؟
أين الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة؟
هل المليون دولار تُصرف بلا فاتورة ولا تفتيش؟
أم أن “السطح الدبلوماسي” بات يغطي كل شيء، حتى الشفافية؟
في الدول المحترمة، تُفتح التحقيقات بسبب فاتورة قهوة في السفارة،
أما عندنا، فالمباني تُرمّم لتبقى خرائب… بأناقة رسمية.
خاتمة: لا نحتاج شعلةً على السطح… بل نارًا في الضمير!
بين سطحٍ يحتفل فوقه السفير ومبنى يشبه المقبرة في داخله، يكتمل المشهد:
صورة مصغّرة عن دولة تُدار بالارتجال، وتُهدر أموالها باسم الدبلوماسية.
لسنا بحاجة إلى شعلة رمزية على سطح مبنى مهجور،
بل إلى شرارة وعي تشعل ضمائر من حوّلوا مؤسسات الدولة إلى إرثٍ عائلي ومسرحٍ للعبث.
وحتى ذلك الحين، سيبقى السؤال معلقًا فوق ذلك السطح:
هل ما زالت لدينا سفارة… أم أننا نملك فقط عنوانًا رسميًا لمبنى بلا روح؟