رشاد حامد يكتب :إثيوبيا تتخلف عن السداد… خداع اقتصادي على مسرح الجغرافيا السياسية

تخلفت إثيوبيا عن سداد ديونها السيادية في ديسمبر 2023، لتدخل حالة “إفلاس فني” بعد عجزها عن دفع سندات دولية بقيمة مليار دولار، مرفقة بأقساط فوائد غير مسددة تجاوزت 99 مليون دولار. وفشلت كل المفاوضات بين أثيوبيا والدائنين.
الغريب أن المجتمع الدولي، ممثلًا في صندوق النقد الدولي، لم يرد بعقوبات اقتصادية، بل منحها قرضًا جديدًا بقيمة 3.4 مليار دولار، ما أثار سخط المستثمرين، وتساؤلات مؤسسات كبرى مثل البنك الدولي، التي وصفت تقديرات الصندوق بشأن استدامة ديون إثيوبيا بأنها غير واقعية!
لماذا هذه المرونة مع إثيوبيا؟
الإجابة سياسية قبل أن تكون اقتصادية. فإثيوبيا تُعامل كدولة وظيفية في شرق إفريقيا، تلعب أدوارًا أمنية وجيوسياسية لصالح قوى كبرى، وتُستخدم كأداة ضغط ضد خصوم إقليميين، وعلى رأسهم مصر، في ملفات بالغة الحساسية:
– سد النهضة
– تطويق المصالح المصرية في القرن الإفريقي.
– احتواء النفوذ العربي والخليجي في البحر الأحمر.
هذه الأدوار جعلت النظام الإثيوبي محصنًا، يحصل على الدعم رغم الفشل الداخلي، والتقارير الحقوقية الكارثية (مثل النزاعات العرقية في أمهرا وتيغراي، وتهجير أكثر من 23 مليونًا، وسقوط أكثر من مليون قتيل في أقل من عقد).
اكذوبة النمو الاقتصادي
رغم كل ما سبق، تصر الحكومة الإثيوبية على إعلان معدلات نمو مرتفعة تفوق 6%، بل وتتحدث أحيانًا عن نمو مزدوج الرقم.
لكن هذه الأرقام تخفي حقيقة مُحرجة:
– النمو المعلن هو نمو اسمي Nominal GDP، يشمل التضخم الجامح الذي وصل في بعض السنوات إلى 30–40%.
– النمو الحقيقي Real GDP، قد يكون صِفريًا أو سلبيًا، خصوصًا مع غياب الاستثمارات، وقيود النقد الأجنبي، وانهيار البنية التحتية في مناطق النزاع.
وهذا ما دفع صندوق النقد ذاته في أحد تقاريره إلى الحديث عن غياب الزخم الحقيقي للنمو وسط اضطرابات ونزاعات مستمرة.
مستقبل بلا عقول
ربما كانت نتائج امتحانات الثانوية العامة الإثيوبية مؤخرًا هي الدليل الأوضح على أن هذا النمو لا ينتج بشرًا قادرين على بناء الاقتصاد. فقد شهدت البلاد:
– نسب نجاح أقل من 10%.
– آلاف الطلاب حصلوا على صفر في مواد أساسية.
– تسرب واسع من التعليم، مع تدهور في المدارس والمناهج والمعلمين.
وهذا الفشل لا يعني فقط ضعفًا في التحصيل الدراسي، بل يكشف عن:
– انهيار رأس المال البشري
– ضعف مؤشرات التحول نحو الاقتصاد الرقمي والصناعي
– نمو جيل عاجز عن الالتحاق بسوق العمل الرسمي أو المشاركة في القيمة المضافة.
أي أن إثيوبيا، حتى لو شهدت نموًا مؤقتًا على الورق، فإن مستقبلها الاقتصادي الحقيقي محكوم عليه بالجمود، لأن التعليم هو المحرك الأساسي للنمو المستدام.