رؤي ومقالات

محمد عبد اللاه يكتب :مستقبل الحكم

أنهى الأستاذ/ جمال بدوي رئيس تحرير صحيفة “الوفد” مقاله في الصفحة الأولى قائلا: “أصابت امرأة وأخطأ الرئيس.”
الرئيس هو حسني مبارك.
الوقت أحد أيام صيف 1995.
حتى ذلك الحين كان التعرض لمبارك بمثل هذه العبارات خطا أحمر.
كان مسموحا لصحف المعارضة، ومن بينها الوفد، بمهاجمة الوزراء والمحافظين، أو حتى رئيس الحكومة.
وكانت الدولة تحاول الحد من جرأة الكتاب والصحفيين بإجراءات سياسية وقضائية وتعديلات قانونية.
لم يمض وقت على ظهور مقال بدوي، رحمه الله، حتى جرى اعتراض سيارته مساء على طريق صلاح سالم وتوجيه لكمات وصفعات له من أشخاص يُقدر عددهم بـ 10 تركوه ملقى على قارعة الطريق.
بعد الاعتداء قال بدوي، الذي لم تلحق به إصابات خطيرة، لمقربين منه إنه تلقى اتصالا شامتا من شخصية سياسية كبيرة قالت له: “علشان تبقى تلم نفسك وتحاسب كويس قبل ما تكتب.”
في ذلك الوقت كانت 14 سنة قد مرت على وصول مبارك إلى الحكم خلفا للرئيس أنور السادات الذي قتله معارضون إسلاميون وسط قوات من الجيش سنة 1981 في الذكرى الثامنة لنصر اكتوبر.
عندما كان الهجوم اللفظي على مبارك خطا أحمر كان الرئيس مقتنعا بأن مصر حق مكتسب له يجب ألا ينافسه فيه أحد، أو يحاول ذلك.
ربما لم يكن يدور بذهنه أنه يحكم مزرعة يملكها ملكية خاصة، لكن واقع الحال كان يقول ذلك.
ومن بين معالم واقع الحال أنه ، تثبيتا لسلطته، جعل حراس الحكم أشبه بملاك للمؤسسات التي يديرونها، ومن بينها المؤسسات الصحفية التي يملكها الشعب.
استئثار مبارك بالسلطة كان خارج المعمول به في نظام 23 يوليو منذ وصول الرئيس جمال عبد الناصر إلى الحكم.
عين عبد الناصر نوابا له، وترك الدنيا وله نائب هو السادات الذي اختاره المحيطون به رئيسا.
وعين السادات نوابا له، وترك الدنيا وله نائب هو مبارك الذي اختاره المحيطون به رئيسا.
لكن مبارك تجنب تعيين نائب. وعندما شعر بثقل تبعات المنصب أواخر النصف الثاني من التسعينيات استدعى ابنه جمال من وظيفته المصرفية في بريطانيا ليساعده.
ودافع عن هذا الاختيار قائلا إن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران تلقى المساعدة من ابنته.
في تلك الأثناء، وبسبب التفاف أصحاب المصالح حول جمال، تكونت عقيدة “توريث الحكم” للابن.
وراح الارتباك يضرب مصر.
كان مبارك واقعا بين نارين بشأن مستقبل الحكم:
1 ـ كان ينفي اعتزامه توريث ابنه. ولكن مختلف الإجراءات على الأرض كانت ماضية في هذا الاتجاه، بما في ذلك أن مبارك كان يجعل جمال يجلس بين قادة الجيش في شرفة مجلس الشعب في أوقات إلقاء الخطب الرئاسية محاولا إقناع الناس بأن المؤسسة العسكرية راضية عن توريثه.
2 ـ كان يعلم عن يقين أن تخليه عن إرث نظام 23 يوليو فيما يتعلق بنقل السلطة ربما لا ترضى عنه المؤسسة العسكرية ومؤسسات أخرى في الدولة.
ولذلك صرح في يوم من الأيام بأنه سيبقى في الحكم “إلى آخر نفس.”
عندما وصل هذا التصريح إلى سمعي، ووقر في ذهني، قلت إنه يخاطر باستقرار البلد.
في النصف الثاني من 2004 تأسست الحركة المصرية من أجل التغيير”كفاية”.
تكونت الحركة من الشخصيات والقوى السياسية المختلفة باستثناء الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي كان ملتفا حول جمال، ودعت إلى إنهاء حكم مبارك ومنع ابنه من حكم البلاد.
في أواخر السنة بدأت الحركة في تنظيم مظاهرات ترفع شعاراتها.
منذ ذلك الوقت انكسر الخط الأحمر، وقال المتظاهرون في مبارك وأسرته ما لم يقله مالك في الخمر، على حد التعبير الشائع عندنا.
في ذلك الوقت كان حكم مبارك لمصر قد اقترب من ربع قرن.
كانت أحداث 25 يناير 2011 ذروة سنوات الاضطراب. وفي غضونها تذكر مبارك أهمية أن يعين نائبا له، واختار مدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان للمنصب، لكن الوقت كان قد فات.
شغل سليمان المنصب لمدة 13 يوما تخلى مبارك يعدها عن الحكم.
أكتب هذا المقال “تشريحا” للماضي لا “تلقيحا” للحاضر، على الرغم من أنني ألمس الآن إرهاصات تخص شيئا منظما أراه أفضل من لا شيء.
(الرجاء تجنب التعليقات المتجاوزة مع الالتزام بمعايير فيسبوك التي تحظر خطاب الكراهية والتحريض على العنف)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى