كتاب وشعراء

ابن الفراغ… هيثم الأمين / تونس

ابن الفراغ
ــــــــــــــــــــــ
وتولدُ من فراغِكَ
صُراخُكَ.. إلى داخلِكَ؛ يعبرُكَ كسكّينْ
وعيناكَ جاحظتان تحملقان في الوقت الكثيف على الجدار!
تولدُ من فراغِكَ دون أسماء تَعرِفُكَ بها،
دون كوّةٍ – في رأسِكَ – ترى من خلالها الضّوءْ
ودون ظلٍّ يرتديكَ حين تُصيبُكَ بالبردْ.
تصرُخُ:
أيّها الباصُ العابرُ من اللّاشيء إلى اللّاشيء
انتظرني!
سأجمعُ ما تبقّى من دبابيس أمّي،
مصحفها، قهوتها مع الجارات، دعواتها لتوأمي المحتضرْ
وخيبتها لأنّي نسيتُ الطّريقْ
ونسيتُ مقاتيح بيتنا في حزن قديم…
انتظرني
لأمزّق كلّ صور أبي حتّى لا يُطاردني وجهه في زُجاجِكَ
وفي وجوه المسافرينْ.
وانتظرني
لأدسّ صور حبيباتي في بطانة معطفي
حتّى يسمح لي الثّلج بالمرور دون أن يفتّشَ
في جثّتي
عنّي.
مازلتَ تولدُ من فراغِكَ؛
ليسَ عسيرا.. ميلادُكَ
ليس يسيرا.. ميلادُكَ
إنّما تولدُ
– في كلّ مرّةٍ –
مختنقا بكَ.. أكثرْ
تجهَلُكَ.. أكثرْ
تكرهُكَ.. أكثرْ
تُؤلٍمُكَ.. أكثر
وتتنفّسُكَ/تعرفُكَ/ تحبُّكَ/ تضمُّكَ.. أكثرْ
فتصرخُ:
أيّها الرّجلُ الذي يحرّكُ جسدي
كم أنّكَ لا تُشبهُني
فابْتَكِرْني – في خيالِكَ – على هيئتي
ودعني أُولدُ، مرّة، من أصابِعِكَ/ أصابعي
كأنّي لا أختَلِفُ عنّي…
أيّها الرجلُ الذي تقتفي أثرَه ظلالي
كم أنّك من فراغْ
وكم أنّي أولدُ منكَ
فأصرخُ إلى داخلي
وعيناي الجاحظتان تحملقان في الوقت الكثيف على الجدارْ!
هل مرّ الباصْ
العابر من اللّاشيء إلى اللّاشيء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى