د. فيروز الولي تكتب :الحوثي… نتيجة وطن لم يُرِد أن يكون دولة!

في اليمن، لا شيء يولد من العدم. حتى الكوارث لها آباء شرعيون وأمهات سياسيات. والحوثي، برغم ما يُقال، ليس “السبب” في انهيار الدولة، بل هو نتيجة طبيعية لتجارب حزبية فاشلة، وسلطة فاسدة، وثقافة شعبية مشوهة تربّت على الخضوع بدل الوعي، وعلى الولاء للقبيلة بدل الوطن.
السياسة: من مملكة العائلة إلى إمبراطورية الجماعة
كل الحكاية بدأت حين قرر الحزب الحاكم أن يصنع من الوطن مزرعة عائلية ومن الشعب قطيعًا انتخابيًا. أدار الدولة كما يُدار “سوق القات”: من يُطبل أكثر يأكل أكثر.
كان الهدف توريث الحكم، لا توريث فكرة الدولة، فاختلطت الجمهورية بالوراثة حتى أصبح القصر الجمهوري يشبه بيت الشيخ في القرية… بس بشاشة بلازما أكبر.
ولكي يرضوا “شركاءهم” من حزب الإصلاح – الإخوان المسلمين بنسختهم اليمنية – فتحوا لهم بوابة السلطة على مصراعيها، فدخلوا ومعهم “المنبر” و”الدفتر”، يوزعون الفتاوى كما تُوزع بطاقات التموين، ويكفّرون من خالفهم باسم الله وكأن مفاتيح الجنة مودعة في جيب المرشد العام!
الاقتصاد: من فقر الشعب إلى ثراء المشايخ
أحزابنا جميعًا كانت تتحدث عن التنمية، لكن أحدًا لم يحدد تنمية من؟
النتيجة: تنمية أرصدة، لا تنمية بلد.
تُجمع التبرعات باسم فلسطين والصومال وجنوب إفريقيا، لتُستثمر لاحقًا في إسطنبول والدوحة في شكل منتجعات ذهبية ومطاعم فاخرة.
بينما في اليمن، الكهرباء ككائن أسطوري، يُذكر في الخطب ولا يُرى في الواقع، والغاز المنزلي صار مثل المطر… يأتي بعد صلاة الاستسقاء.
وفي وزارة الخارجية، وُزعت المناصب كأنها “مهرجان زفاف سياسي”، فكل سفير هو ابن فلان أو قريب علان، وبعضهم لا يفرق بين السفارة والسفارة!
الثقافة: تعليم ديني على الطريقة الإخوانية
الإصلاح بنى إمبراطورية تعليمية ضخمة، من المعاهد إلى الجامعات، تخرّج فيها أجيال تتقن “فقه الطاعة” أكثر من فقه الحياة.
يتحدثون عن الحرية وهم يحرمون التفكير، وعن العدالة وهم يوزعونها بحسب “الانتماء الحزبي”.
جيلٌ كامل تربى على أن المخالف كافر، والمعارض خائن، والمختلف جاسوس.
وهكذا، حين خرج الحوثي من كهوف صعدة، وجد الساحة جاهزة، والشعب مرهقًا، والوعي غائبًا، فدخل من الباب الواسع… باب الجهل.
الدراما السياسية: من ثورة إلى ثروة
حين اندلعت ثورة 2011، ظن الناس أن التغيير قادم، وأن عهد الفساد سينتهي. لكن سرعان ما ركبت الأحزاب ظهر الثورة، وقادتها إلى نفس المزبلة التي خرجت منها.
أصبح “الربيع” مجرد “موسم حصاد سياسي”، يتقاسم فيه الكبار الغنائم تحت شعار “التوافق الوطني” — أي تقاسم الكعكة بالتساوي!
وحين جاء الحوثي إلى صنعاء، كان ذلك في لحظة تصفية حسابات بين صالح والإصلاح، ففتحوا له الباب دون أن ينتبهوا أنه لا يخرج بسهولة.
دخل الحوثي كمنقذ، فصار حاكمًا، ثم مستبدًا، ثم تاجرًا جديدًا في سوق الخراب.
استبدل الفساد المدني بالفساد العسكري، والدستور بالصرخة، والدولة باللجان الشعبية.
المجتمع: بين الجهل والولاء
اليمني اليوم لا يثق بدولة ولا حزب ولا زعيم.
صار الولاء للأقرب، لا للأفضل. للقبيلة، لا للقانون.
الشمال والجنوب، السهل والجبل، الكل يرفع راية “قضية”، لكن لا أحد يرفع راية “وطن”.
أصبحنا نعيش في جمهورية اللامبالاة، حيث المواطن ينتظر الكهرباء كمن ينتظر المعجزة، والراتب كمن ينتظر المطر في أغسطس.
الخلاصة: المسرحية مستمرة!
الحوثي لم يصنع اليمن الجديد… بل وجد اليمن القديم ينتظره مفروغًا من كل شيء.
نظام فاسد، أحزاب انتهازية، مثقفون صامتون، وشعب تائه بين خطبة جمعة وشريط مساعدات.
ولذا فالمسؤولية ليست على الحوثي وحده، بل على كل من صمت حين كان الصراخ واجبًا.
فاليمن، يا سادة، لم يسقط يوم دخل الحوثي صنعاء،
بل سقط يوم صدّقنا أن القبيلة يمكن أن تبني دولة، وأن الحزب يمكن أن يكون وطنًا.
ملاحظة ختامية:
إذا أردنا يمنًا جديدًا، فلا بد أن نبدأ من الإنسان قبل البنيان، من الوعي قبل السلاح، من القانون قبل العمامة.
حينها فقط، لن يكون لدينا “حوثي” جديد… ولا “حزب” يعيد إنتاج الخراب باسم الدين أو الثورة أو الوطن.