مصطفي السعيد يكتب :من سيصرخ أولا .. الصين أم أمريكا؟

سعت أمريكا إلى جر الصين لحلبة صراع إقتصادي وسياسي وربما عسكري، بعدما وجدت الصين تحقق نجاحات إقتصادية مبهرة، وحققت أعلى معدلات نمو في العالم، وتفوقت على الولايات المتحدة في حجم إنتاجها وفائضها التجاري الذي يقرب من ترليون دولار سنويا، وتنافس بقوة في التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي، ورأت أمريكا أن الصمت على النمو الصيني السريع في مختلف المجالات سيجعلها تفقد الهيمنة، رغم أن الصين كانت تنأى بنفسها عن الصراعات الدولية، وتتمسك بتسمية نفسها “دولة نامية”، لكن ذلك لم يشفع لها، فالجريمة كانت التفوق في العلم والإنتاج، لهذا بدأت في الضغط على أهم قضية تمس الصين وهي توحيد أراضيها، وعودة تايوان إلى البر الرئيسي بهدوء وبوسائل سلمية، مثلما استعادت هونج كونج، ورغم أن أمريكا تعترف رسميا بأن تايوان جزء من الصين، وكذلك الأمم المتحدة، إلا أنها عملت على عرقلة استعادة الصين لتايوان، خاصة بعد أن أصبحت تايوان أكبر منتج للرقائق الألكترونية في العالم، وهو ما ينقص الصين، ولهذا بدأت تضغط على جرح استقلال تايوان، سواء بالتسليح أو محاولة دمجها في المجتمع الدولي كدولة مستقلة، وجاء ترامب ليفرض الرسوم الجمركية على الواردات من الصين، التي تحقق فائضا في ميزانها التجاري مع أمريكا بلغ 295 مليار دولار العام الماضي، وفرضت أمريكا 100% رسوما جمركية على السيارات الصينية، لتمنعها من اجتياح السوق الأمريكي، ثم منعت شركة هواوي، بل تخطت ذلك إلى التحريض على مقاطعة الصين، ومعاقبة من يتعامل معها، هنا أدركت الصين أن المعركة لا مفر منها، وكالعادة تهيأت الصين إقتصاديا وعسكريا دون ضجة، وبسرية تامة، لتبدأ في مبادلة أمريكا اللكمات، وتكشف عن قدرات تكنولوجية وقدرات كبيرة في الإنتاج العسكري، وتفوقت في عدد القطع البحرية، وأنواع وقدرات الصواريخ والمسيرات، بل كانت أول دولة تنتج طائرات حربية من الجيل السادس، ورأت أمريكا أن عليها خوض معركة وجود مع الصين، قإما أن تكبحها وتضرب اقتصادها وتعزلها وتنزع منها عناصر القوة، وإما أن تسلم بأنها لم تعد الدولة المهيمنة، وتقبل بمكان متواضع في مصاف الدول المتقدمة، وهو ما لا يمكن أن تقبل به أي إدارة أمريكية .. تدور رحى الحرب، وملك أمريكا قدرات ليست هينة في مجالات التكنولوجيا والتسليح، لكن التفوق الأهم في نسج شبكة علاقات دولية مع حلفاء مهمين لا يمكنهم العصيان، والمصلحة أيضا، فلأول مرة ينتقل مركز الهيمنة خارج الغرب الإستعماري، وتطيح به دولة كانت مستعمرة، وترفع راية الشيوعية، حتى لو كانت اندمجت في السوق العالمي، الرأسمالي بالأمر الواقع، لكنها سبقت كل البلدان الرأسمالية، والأكثر أهمية أن أمريكا تسيطر على منظومة المال والتجارة الدولية، بعد أن أصبح الدولار عملة العالم، ومنظومة سويفت أداتها في التبادل التجاري، وترى أمريكا مثلها مثل الكيان أن المعركة الآن أفضل من الغد، فالتحولات سريعة لصالح الصين ودول أخرى تشاركها منظومة بريكس، فمن سيصرخ أولا؟ أمريكا لا يمكنها مناطحة الصين عسكريا، فسبق للبلدين أن خاضا الحرب المباشرة في الخمسينات، وخرجا متعادلين، وتقسيم كوريا، لكن الصين لم تكن على ما هي عليه الآن من قوة، كانت وخارجة للتو من حروب متواصلة من الإستقلال إلى الحرب الأهلية، أما الحرب الإقتصادية التي كان قد شنها ترامب فقد تراجع فيها، لعجز أمريكا عن إيجاد بدائل للواردات الصينية المتميزة بالجودة والسعر المنخفض، وحاولت إدخال الصين في حرب مع جيرانها ومع تايوان، لأنها متخوفة من نائج الحرب المباشرة، لكنها مضطرة لخوض الحرب التي لا يمكن تجنبها. أعتقد أن أمريكا ستصرخ أولا لعامل أساسي، وهو قدرة الصينيين على تحمل حرب طويلة، مهما كلفتهم، فالقدرة على التحمل والتضحية من أهم عوامل كسب أي حرب، بالإضافة إلى توحد الشعب الصيني وحسه الجماعي المتجذر.