كتاب وشعراء

مُراثي الشَّوْقِ عَلَى شَاطِئِ الْغِيَابِ…..بقلم مريم حسين أبو زيد

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

فِي غِيَابِكَ تَتَكَسَّرُ مَرَايَا رُوحِي عَلَى صُخُورِ الْفِرَاقِ، وَتَتَنَاثَرُ أَشْلَاءً مِنْ أَشْوَاقٍ لَا تُحْتَمَلُ، أَمْشِي فِي مَتَاحِفِ الذَّاكِرَةِ الْمُظْلِمَةِ، أَلْمُسُ ظِلَّكَ الْخَاطِفَ بَيْنَ زُجَاجِ النَّوَافِذِ، أُصَادُ وَمَضَاتِ عَيْنَيْكَ مِنْ بُحَيْرَةِ النِّسْيَانِ، فَلَا أَعْثُرُ سِوَى عَلَى شَظَايَا زَمَنٍ انْتَهَى.
الْكُحْلُ الَّذِي كَانَ يَرْوِي عُيُونَ أَحْلَامِي، صَارَ الْآنَ حِبْرًا يَكْتُبُ سَفَرَ الْآلَامِ، وَالرُّمُوشُ الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ لِقَاءَاتِنَا، أَصْبَحَتْ قَضْبَانًا فِي سِجْنِ الِانْتِظَارِ.
عَلَى شُرَفَاتِ غِيَابِكَ نَبَتَتْ غَابَةٌ مِنْ الْأَشْوَاكِ، تَحْمِلُ ثِمَارًا مِنْ وَجَعِي الْمُزْهِرِ، وَتَنَاثَرَتْ وُرُودُ قَلْبِي نُثُفًا فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، رِسَالَةً عِطْرِيَّةً تَائِهَةً تَطْرُقُ أَبْوَابَ الْقَدَرِ، عَلَّ صُدْفَةً مِنَ النُّجُومِ تُعِيدُكَ مِنْ سُبَاتِ الْغِيَابِ.
مَا زِلْتُ هُنَا أَحْرُسُ عَهْدَ أَنْفَاسِنَا الْأُولَى، أَرْسُمُ خَرِيطَةَ الْعَوْدَةِ بِقَلَمِ الشَّتَاتِ، أُحَدِّثُ أَطْيَافَ عِطْرِكَ الْعَالِقِ عَلَى جُدْرَانِ الذَّاكِرَةِ، وَأُشْعِلُ شُمُوعَ الِانْتِظَارِ عَلَى مَذْبَحِ الْغِيَابِ.
وَفِي اللَّيَالِي أَكْتُبُ بِرِيشَةِ الْعِشْقِ الْحَزِينِ، رِسَالَاتٍ أُودِعُهَا خَبَايَا الْوَدَاعِ، أَخِيطُهَا بِقَوَارِيرِ الْأَمَلِ وَأَرْمِيهَا فِي بَحْرِ الْأَحْلَامِ، عَلَّ أَمَوَاجَ الْمَصِيرِ تَحْمِلُهَا إِلَى شَوَاطِئِ رُوحِكَ.
وَغَدًا سَأَنْقُشُ عَلَى رِمَالِ الشَّاطِئِ دُعَائِي، سَأَحْفِرُ أَسْمَاءَنَا فِي صَدَفَةِ بَحْرٍ مُتْعِبٍ، سَأَهْمِسُ لِلرِّيحِ بِأَسْرَارِي الْمُعَلَّقَةِ، وَأَتْرُكُ لِلْمَدِّ أَنْ يَحْمِلَ نَبْضَاتِ قَلْبِي، لِيُغَرِّدَ عَلَى أَسْوَارِ صَمْتِكَ.
سَأَنْتَظِرُ حَتَّى تَعُودَ شَمْسُكَ إِلَى سَمَائِي الْبَارِدَةِ، حَتَّى تُزْهِرَ قَلْعَةَ الْحُبِّ فِي صَحْرَاءِ رُوحِي، حَتَّى تَحْمِلَنِي عَلَى أَجْنِحَةِ الشَّفَقِ، إِلَى عَالَمِنَا الَّذِي رَسَمْنَاهُ بِقَبْلَاتِ الْمَسَاءِ.
سَأَنْتَظِرُ لِأَنَّ قَلْبِي مَا زَالَ يُنَادِي بِاسْمِكَ، فِي كُلِّ نَبْضَةٍ تَبْحَثُ عَنْ مَلَاذٍ فِي عَيْنَيْكَ، فِي كُلِّ ذَرَّةٍ مِنْ تُرَابِ هَذَا الْكَوْنِ، مَا زِلْتُ أَرَى ظِلَّكَ يُلَوِّحُ لِي مِنْ بَعِيدٍ.
هَذِهِ الْقَصِيدَةُ صَارَتْ لَوْحَةً مَائِيَّةً، تَرْسُمُ غِيَابَكَ بِأَلْوَانِ الْأَلَمِ وَالْأَمَلِ، وَتَحْفِرُ فِي جِدَارِ الزَّمَنِ ذِكْرَى، لَا يُزِيلُهَا غُبَارُ الْفُرْقَةِ وَلَا صَدَأُ النِّسْيَانِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock