د. فيروز الولي تكتب :لماذا نحارب أي تنمية في اليمن؟ حين تتحول الكهرباء والمطار إلى تهمة وطنية”)

البلد الوحيد الذي يخاف من الكهرباء أكثر من انقطاعها!
في بلاد العجائب المسماة اليمن، لا شيء يثير الرعب مثل كلمة “تنمية”.
فبمجرد أن يُعلن عن مشروع جديد – طريق، مطار، مستشفى، أو حتى بئر ماء – تستنفر القوى السياسية والعسكرية والإعلامية وكأن أحدهم أعلن عن انقلاب!
السبب بسيط جدًا: التنمية في اليمن جريمة كبرى لأنها تهدد مصالح صغار الآلهة الذين يعبدون الفوضى.
أولاً: سياسيًا
في كل دول العالم، يُعتبر المطار نافذة للسيادة، إلا في اليمن، فهو نافذة للتآمر.
مطار المخاء – على سبيل المثال – لم يُفتتح لأن أطرافًا في “التحالف الشقيق” رأت أن الإقلاع منه قد يعني إقلاع اليمن من تحت وصايتها.¹
وعندما يحاول أحد بناء طريق أو محطة كهرباء، تبدأ “لجنة التخريب الوطني” بالعمل فورًا: طرف يتهم المشروع بالتبعية للإمارات، وآخر يقول إنه مؤامرة قطرية، وثالث يقترح تحويله إلى معسكر!
ففي اليمن، التنمية لا تجلب الدولارات مثل الحرب.
ثانيًا: اقتصاديًا
في الاقتصاد اليمني، الربح الحقيقي ليس في تشغيل المصانع أو فتح الموانئ، بل في إغلاقها!
كل مشروع يخلق فرص عمل يعني نهاية لصفقات الفساد، وتراجعًا في تهريب العملة، وخسارة لفئة “المسؤولين المستثمرين في الخراب”.
فمثلًا، لو اشتغلت الكهرباء 24 ساعة، فمن سيشتري المولدات؟ ولو تحسّن الطريق، فمن سيأخذ عمولات النقل الجوي الباهظة؟
لذلك تُحاصر التنمية كما يُحاصر الضوء في كهف مظلم.²
ثالثًا: اجتماعيًا
المواطن اليمني أصبح خبيرًا في فنون التكيّف مع المأساة.
ينام على الظلام، ويستيقظ على أزمة وقود، ويضحك على نشرات الأخبار حين يسمع كلمة افتتاح مشروع، لأنها تشبه عنده نكتة الموسم.
في المجتمع اليمني، أصبح الحديث عن التنمية ترفًا سياسيًا، تمامًا مثل الحديث عن السفر إلى المريخ أو اكتشاف النفط في تعز!³
رابعًا: ثقافيًا
الثقافة السائدة في البلد تقوم على قاعدة ذهبية: “كل شيء ناجح خطر”.
من المدرسة إلى المسرح، ومن الصحفي إلى المهندس، كل من يحاول أن يفكر بطريقة مختلفة يوضع في خانة “المشبوهين”.
لقد تحوّلت العقلية العامة إلى عقلية إدارة بقاء لا إدارة بناء.
نعيش فقط كي لا نموت، لا كي نتقدم.
المفارقة المضحكة
حتى عندما يأتي مشروع على يد شخصية مثيرة للجدل أو “عليها علامات استفهام”، بدل أن نرحب بالنتيجة، نُعلن الحرب على النية!
كأننا نقول: “لا نريد طريقًا يُسهل حياتنا، لأن الذي رصفه نواياه غير نقية!”
وفي النهاية، تبقى الطرق مكسّرة، والمطارات مغلقة، والمستشفيات بلا دواء… بينما تزداد بيانات “الرفض” و”الاستنكار” ازدهارًا يومًا بعد يوم.
الخلاصة
اليمن اليوم لا ينقصه المال ولا العقول، بل ينقصه من لا يخاف من نجاح الآخرين.
لقد جعلت النخب المتصارعة من التنمية عدوًا قوميًا، ومن المواطن خصمًا يجب كبح طموحه.
البلد الوحيد الذي إذا أضاءت فيه لمبة جديدة، تبدأ حرب سياسية حول من ضغط على المفتاح!
فالسؤال الذي يفرض نفسه – بضحكةٍ مرة:
هل نحن بلد يعادي الفساد… أم بلد يعادي الإصلاح؟
وهل ستُفتح المطارات والطرق يومًا… أم سنظل نحتفل بافتتاح النوايا؟
في اليمن، لا يحتاج النجاح إلى تمويل بقدر ما يحتاج إلى إذنٍ بالبقاء.
كل مشروع يُولد فيه، يُوضع فورًا تحت المراقبة، لا لحمايته من الفشل، بل لضمان ألا ينجح أكثر من اللازم!
ولهذا، قد لا تكون معركة اليمن من أجل التنمية، بل معركة التنمية من أجل البقاء في اليمن.
المراجع والحواشي
1. World Bank – Yemen Overview (2024): “Since the war began in 2015, Yemen’s real GDP per capita has plummeted by 58 %, and about 18 million people lack access to safe drinking water and sanitation.”
2. World Bank – Yemen Economic Monitor (October 2024): “Continued conflict has caused a 42 % drop in fiscal revenues… inflation and currency depreciation remain elevated.”
3. World Bank – Yemen Country Climate and Development Report (2024): “Ongoing conflict affects ~80 % of households, limiting access to basic services; climate change intensifies water-scarcity and food insecurity.”
4. United Nations – Yemen Country Results Report (2024): “Highlights resilience of the Yemeni people, strengthening local capacities, and the need for inclusive solutions.”
5. World Bank / UNOPS – Yemen Emergency Lifeline Connectivity Project: “150 km of rural access roads completed to reconnect isolated communities.”
6. World Bank – Emergency Electricity Access Project: “New/improved services to 3.5 million people, including 100 schools, via international grant.”