يسري فوديه يكتب :سلاطة اللسان سلاحًا

هل خرجت عبارة “مامتك هي من اختار” (مكان قمة ترمب-بوتين القادمة) من فم متحدثة ترمب على سبيل الخطأ أو الصدفة أو الانفعال اللحظي؟
كلا، قولًا واحدًا؛ فوفقًا للصحفي المشتوم – الذي أرسل السؤال عبر أحد التطبيقات – أخذت المتحدثة وقتها في التفكير قبل أن ترد، وبعد هذا انضم إليها مدير اتصالات ترمب ملخصًا الإجابة للصحفي إن كان لم يفهم في كلمة واحدة: “مامتك”.
لا يختلف هذا كثيرًا في ذهن محقق الجرائم عن الفارق بين القتل الخطأ manslaughter والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد murder.
لهذا، لم أجد فيما حدث مزحةً أو دعابة، بل وجدت منهجًا مقززًا خطيرًا متعمدًا من جانب إدارة “حامي حمى العالم الحر والحضارة الغربية”. وهو منهج شرير قديم قدم التاريخ الإنساني وصفحة ناصعة السواد من كتالوغ الفاشية والديكتاتورية والعنصرية القحة الوقحة التي يعيشها كثيرون حول العالم في بلادهم كل يوم حتى اليوم.
الهدف واضح وضوح الفجاجة منذ اليوم الأول، سواءٌ بالنسبة لترمب وأعوانه أو بالنسبة لأساطين هذا المنهج في منطقتنا وحول العالم:
ضرب الصحافة الحرة يقصم ظهر الحقيقة ويخنق المنطق، ومن ثم يؤدي إلى خلط الحق بالباطل، والحقيقي بالمزيف، ومن ثم ينشر الظلام وانعدام اليقين والخوف والقلق ويهتك نسيج العقل الفردي والجمعي، وهو ما يفتح بدوره أوسع شارع أمام الديكتاتورية والفاشية والعنصرية. وليس لهذا كله في آخر الفيلم إلا نهاية واحدة يعرفها التاريخ جيدًا: الفساد والعفن والتحلل.
ما حدث لم يكن مزحة، ولم يكن صدفة.