الدراما التركية… حين يتحوّل الحب إلى حلقة مكرّرة….بقلم ربا رباعي

منذ أن غزت الدراما التركية الشاشات العربية، صارت جزءًا من طقوس المساء في آلاف البيوت: موسيقى حزينة، وجوه وسيمة، دموع تتساقط ببطء، وعشقٌ يئنّ تحت وطأة المستحيل.
لكن، ومع هذا السحر المترف، يطفو سؤال يلحّ على ذهن المشاهد الذكي:
هل نحن نشاهد قصة جديدة فعلًا، أم إعادة بث لقصة شاهدناها من قبل بأسماء مختلفة؟
الحب في نسخة مكرّرة
من “نور” إلى “العشق الممنوع” إلى “حب أعمى” و”الطائر الرفراف”، يبدو أن كتّاب الدراما التركية قد اكتشفوا الوصفة السحرية للنجاح التجاري… ثم توقفوا عن الطبخ!
القصة ذاتها: فتاة غنية تقع في حب شاب فقير، أو العكس، وبينهما بحر من الطبقية والممنوعات والمؤامرات العائلية.
تتكرر الأحداث، تتغير الملامح، لكن الجوهر واحد: حب ممنوع، شرير وسيم، ودموع لا تنتهي.
كأننا أمام مسلسل واحد طويل يعيش إلى الأبد، فقط يبدّل ملابسه كل موسم.
الإطالة.. جريمة فنية باسم “نسب المشاهدة”
الحلقة الواحدة قد تمتد لساعتين، وكأن المخرج يقول: “لن أترككم تغادرون الشاشة حتى تناموا من الملل!”
لقطات بطيئة، فلاش باك مكرر، حوارات تدور حول النقطة ذاتها في خمس حلقات متتالية.
ولماذا؟ لأن الإطالة تساوي مزيدًا من الحلقات، ومزيدًا من الإعلانات، ومزيدًا من الأرباح.
أما الفن؟ فهو الضحية الأولى في هذا السوق المربح.
شخصيات بنكهة النسخ
الأم المتسلطة، الحبيب الطيب المظلوم، الصديق الخائن، العمة الشريرة، والعائلة الغنية المتغطرسة…
نفس التوليفة التي نحفظها عن ظهر قلب.
كأن كتّاب الدراما التركية يتعاملون مع المشاهدين كطلاب في صفّ ابتدائي: كل عام نفس الدرس، فقط يتغير الغلاف!
أين الجديد؟ أين الجرأة؟ أين القصص التي تشبه تركيا اليوم؟
الدراما كمنتج تجاري لا كفنّ
في كواليس الإنتاج، المعادلة بسيطة:
ما دام الجمهور يتابع، فلماذا نغامر بالتغيير؟
تكرار القوالب صار إستراتيجية أمان تجارية؛ وصفة جاهزة تضمن نسب مشاهدة عالية.
لكن النتيجة، كما يقول النقاد، أن الدراما التركية تحوّلت من صناعة فنّية إلى خطّ إنتاج متسلسل للحبكات المستنسخة.
النجاح الذي تحوّل إلى فخ
النجاح الأول لتلك المسلسلات جعلها أسيرة نفسها.
فبدل أن تطوّر لغتها السردية، اختارت البقاء في منطقة الراحة، تبيع الوهم ذاته تحت مسميات جديدة.
الجمهور، الذي كان يذوب عشقًا مع “مهند ونور”، صار اليوم يطفئ التلفاز بعد الحلقة الثالثة.
لأن المفاجأة ماتت، والدهشة هربت من المشهد منذ زمن.
كيف يمكن للدراما التركية أن تنقذ نفسها؟
الجواب بسيط… وشجاع.
قصّروا الحلقات! ساعتان من البكاء كافية لتخدير أي مشاعر.
غيّروا الوصفة! ليس كل حب يحتاج إلى دموع وبنادق ومؤامرات عائلية.
أعطوا الفرصة لأقلام جديدة، تكتب عن الواقع التركي الحديث، عن الشباب، والسياسة، والتحوّلات الاجتماعية.
تحرّروا من “الفلاش باك”، فالمشاهد تذكّر القصة أكثر من المخرج نفسه!
خاتمة: الدراما التركية بين التكرار والمصير
الدراما التركية اليوم تشبه عاشقًا قديمًا لا يعرف كيف يبدأ من جديد.
تملك الإمكانيات، والجمال البصري، والموسيقى الساحرة، لكنها تحتاج إلى جرأة الخروج من القالب، لا إلى مزيد من الحلقات التي تشبه بعضها.
فالفن لا يُقاس بعدد المشاهدين فقط، بل بقدرته على أن يُدهش، ويصدم، ويُحدث أثرًا.
إلى ذلك الحين، سيبقى السؤال مطروحًا:
هل المسلسلات التركية قصة حب… أم قصة تكرار؟