رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :بعد ولادة الذئب

ـــ إن كل انحطاط للسلطة هو دعوة للعنف* حنة آرنت.
التفسير الشائع عن العنف كقوة تدمير جسدية للناس والاشياء لم يعد كافيا هذا الزمن بعد ان اخذ العنف اشكالاً جديدة ومختلفة عن السابق.
عندما تكذب السلطة من الصباح الى المساء فهي تمارس العنف وخلق المشاعر السلبية وعندما تتواطأ السلطة مع شركات ومافيات ومصارف ودول لسرقة المال العام فهو عنف جسدي ونفسي.
عنف المدارس وتعليم الاطفال ثقافة الموت والمراثي بدل ثقافة الحياة والمعرفة هو عنف وخلق بنية تحتية للكآبة العامة وتحويل الموت كمشروع وهدف وليست الحياة.
عنف التكنولوجيا التي محت الفارق بين الواقع الحقيقي والافتراضي وحسب عالم الاجتماع الفيلسوف جان بودريار ان هذا العنف يخفي الحقيقة واستبدالها بالمحاكاة مما يخلق أزمة أخلاقية عميقة ومن الصعب جدا التمييز بين الحقيقة والخيال في عالم الاتصالات مما وفر فرصة استثنائية للدول والجماعات والافراد في خلق الواقع المزيف على انه الواقع الحقيقي.
العنف الجسدي والنفسي عندما يلقى نصاب ولص محاضرة عن الاخلاق والوطنية التي صارت ملجأ الأنذال. هذا الاندفاع الأهوج نحو العمل السياسي من نماذج سوقية ومنحطة وأمية ليس بدوافع وطنية ولا حتى سياسية بل البحث عن مصالح ومناصب ونفوذ ومشاريع تجارية.
الجيل الذي أطلقنا عليه منذ سنوات” جيل منتصف الليل” الذي ولد قبل الاحتلال بعامين أو ثلاثة أو بعد الاحتلال، الجيل الذي ولد وسط الانقاض والخراب والكراهية واليأس، وملايين منه بلا تعليم، تحولت شرائح منه الى عصابات مأجورة وأدوات اغتيالات: كان ذلك اعلاناً عن ” ولادة الذئب” الذي سيلتهم الجميع كغوريلا تستحم بالدم في الشوارع.
بعد القبض على المتهمين باغتيال عضو مجلس محافظة بغداد “صفاء المشهداني” في قضاء الطارمية شمالي العاصمة الأسبوع الماضي، تبين أن هؤلاء الخمسة من مواليد بعد عام 2003 أو قبل ذلك بعامين ومن المؤكد ان هؤلاء من حلقة قريبة من الضحية.
لسنا بحاجة الى هذا المثال لانه يتكرر وغالبية الجرائم تصدر من وسط قريب مما يبثت زيف بعض العلاقات ومتانة الأقنعة ولا يتحول الشخص الى قاتل او غادر فجأة بل كان كذلك في دورة سبات.
في روايتنا” ولادة الذئب” مئات الأمثلة عن هذه الجرائم من وسط قريب موثقة من سجلات الشرطة والمحاكم والشهود ومنظمات حقوق الانسان ومن صحف باليوم والتاريخ والمكان والأسماء الحقيقية وتلعب الوثيقة دوراً في تعزيز الخيال وهو عرف روائي معروف : التوثيق والتخيل.
لكن يبدو ان العنف العام الخفي والمعلن والجريمة صارت من التكرار من الظواهر العادية أو الطبيعية كالمطر أو البرق ، وأية ظاهرة تتكرر تصيب الناس بــــ” العمى الاجتماعي” أي تصبح لا مرئية.
لان العراقي والعربي عامة عاش العنف الجسدي المباشر والأهوج كالضرب والتعليق بالمراوح والفلقة والصفع والرفس، فهو غير معتاد على العنف الخفي.
عنف الخطابات الكاذبة وأثرها المدمر في تشويه نظرة الانسان لنفسه وللحياة، عنف المناهج المدرسية، عنف الأناشيد، عنف وسائل الاعلام، عنف برامج التلفزة واللغة المنحطة، عنف التلاعب بالناس للالهاء والمشاغلة عن مشاريع وهمية قادمة، عنف الاعلانات عن مدن وشوارع ومشاريع زائفة، عنف الكذب الذي هو أسوأ أنواع العنف عندما تمتلك السلطة والجماعات أدوات لفرضه كواقع وتحريف العقل والخيال. اخفاء الحقائق وتحويل القانون والمحاكم الى أدوات تمييز وقمع هو عنف، النفايات السامة في الشوارع هو عنف وقتل أبيض بالأمراض بلا دم، التمييز حسب السلالة والعرق والدم والمهنة والثروة والمنصب هو عنف عنصري وطبقي ولا أخلاقي لأن كرامة الانسان في ذاته بلا عكاكيز من خارجه.
كان حكيم صيني يتجول مع طلابه عندما رأى إمرأة تبكي على قبر وسألها من يكون هذا؟ فقالت: زوجي قتله الذئب”.
التفت الى طلابه وقال:” الحكومة الظالمة أخطر من الذئب. هذا درسنا اليوم”
السلطة الجائرة أكبر مصدر للعنف بكل أنواعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى