د.فيروز الولي تكتب :لا صدفة في حياة الشعوب

في عالمٍ يعجّ بالشعارات، لا شيء أكثر طرافة من شعوبٍ تنام على “الكرامة” وتستيقظ على “الخلافات”!
شعوبٌ تملأ الفيسبوك حكمًا وأمثالًا عن الحرية، ثم تقطع الإنترنت عن نفسها خوفًا من الحقيقة.
ترفع صور الزعماء كأنها أيقونات مقدسة، وتصفق للخطب الحماسية كأن التصفيق يصنع اقتصادًا،
ثم تتساءل — بكل صدقٍ وكوميديا — لماذا نحن متأخرون؟
هذه الشعوب تتعامل مع الوقت كعدوٍّ شخصي، ومع العمل كعقوبة، ومع النظام كبدعة غربية.
تعيش على نظرية المؤامرة، وتتعامل مع الإنجاز كفضيحة يجب التستر عليها.
إنها شعوب لا تحب أن تتغير… بل تحب أن “يتغير الآخرون”!
يقول ابن خلدون في مقدمته: “الظلم مؤذن بخراب العمران”،
لكن ابن خلدون — لو عاش بيننا — لربما أضاف: “والكسل مؤذن بخراب الإنسان”.
فبعض الشعوب تمارس الظلم ضد نفسها:
تنتخب من لا يصلح، وتُصفّق لمن لا يعمل، وتؤمن بمن لا يصدق.
أما الشعوب التي تقدّس الأشخاص أكثر من المبادئ،
فهي — كما يقول مالك بن نبي — “ليست فقيرة لأنها لا تملك المال، بل لأنها لا تملك الفكرة.”
إنها لا تنتج فكرة جديدة إلا حين تتبدل الحكومة،
ولا تنطق بالحقيقة إلا بعد أن يهاجر صاحبها.
هؤلاء يظنون أن المجد يأتي من الخارج في حاوية “دعم دولي”،
أو في مؤتمر “مانحين”، أو في وعود “تحالفات”.
وما دروا أن الأمم لا تُبنى بالتحالفات، بل بالوعي والإنتاج والانضباط.
أما الشعوب التي تنهض — فقصتها مختلفة تمامًا:
تستيقظ باكرًا، لا لأن الكهرباء جاءت، بل لأنها تؤمن أن الوقت حياة.
تحترم النظام حتى في الطابور، وتخجل من الخطأ بدل أن تبرّره.
تعمل بصمت، ثم تتكلم بإنجاز.
كما قال ألكسيس دو توكفيل في تحليله للمجتمع الأمريكي:
“الحرية مسؤولية قبل أن تكون حقًّا.”
وهذا هو سرّ الفرق بين من يبني وطنًا ومن يبيع وطنًا ويكتب “سننهض قريبًا”!
أما الشعوب الفقيرة، فمشكلتها ليست في الموارد، بل في الأعذار.
تُحمّل الشمس مسؤولية الحرّ، والسماء مسؤولية المطر،
وتحمّل “الاستعمار” مسؤولية فشلها في ترتيب طابور البنزين.
إنها شعوب بارعة في نظرية “الآخر السبب” حتى في ضياع مفاتيح بيتها!
الفرق بين الشعوب ليس في النفط أو الذهب أو البحر،
بل في ثقافة العمل مقابل ثقافة الندب.
فالأولى تسأل: “ماذا يمكن أن نفعل؟”
والأخرى تسأل: “من نلوم اليوم؟”
وكما قال مصطفى الرافعي: “إذا لم تزد على الدنيا كنت أنت الزائد عليها.”
لكن يبدو أن بعض الشعوب لم تسمع النصيحة،
فأصبحت “زائدة” على الدنيا… وخصمًا على نفسها.
رسالة إلى الشعب اليمني
أيها اليمنيون…
أنتم أبناء التاريخ، أحفاد سبأ وحِمير،
من بنى السدود وعلّم التجارة والإيمان، فكيف صرتم اليوم تائهين بين السفراء والبيانات؟
اليمن لا يحتاج إلى “وصيٍّ جديد”، بل إلى ضميرٍ قديم استيقظ يومًا وقال: “لن يُصلح هذا البلد إلا أبناؤه.”
لن ينهض اليمن بالمجاملات ولا بالتصفيق لأشخاص،
بل حين نضع الكفاءة قبل القبيلة، والعقل قبل العاطفة، والوطن فوق الجميع.
اليمن لن تُنقذه البيانات، بل النيّات والعمل والعقول النزيهة.
فإن استيقظ اليمني من نوم الأعذار،
استيقظ معه التاريخ، وكتب اسمه من جديد بين الأمم التي قررت أن “الآن” هي ساعة النهوض.
المراجع والمصادر:
1. ابن خلدون – المقدمة، فصل “في أن الظلم مؤذن بخراب العمران”.
2. مالك بن نبي – شروط النهضة، فصل “القابلية للاستعمار”.
3. ألكسيس دو توكفيل – الديمقراطية في أمريكا، الجزء الثاني.
4. مصطفى صادق الرافعي – وحي القلم، مقال “ما معنى أن تكون إنسانًا”.
5. مقولات ومفاهيم من الفكر الاجتماعي الحديث حول الوعي الجمعي والتنمية الثقافية.







