حمزه الحسن يكتب :الزمن القادم في الماضي

الزمن القادم موجود في زمن الحاضر والماضي لان المستقبل نتاج تراكم الماضي والحاضر كما مستقبل الجرة او التنكة قحف على مزبلة،
لكن عندما يفقد الانسان حلقات السلسلة، يعتقد ان الحدث الأخير هو الحدث الأول بلا تسلسل ولا سياق.
هناك نماذج لو وضعتها في أرقى ديمقراطية في العالم ووفرت لها كل ضمانات الحياة الكريمة لن تتغير وقبل أيام ألقت الشرطة السويدية القبض على بويا شافعي (Poya Shafie)، أحد أبرز قياديي العصابات في السويد ـــــــــ بدل أن يكون قائد فرقة موسيقية أو منظمة تعايش وسلام ـــــــــ عند وصوله إلى مطار أرلاندا مساء الأربعاء قادماً من العراق بعد أن هرب الى بغداد وتم تسليمه من العراق.
شافعي ليس الوحيد من قادة الاجرام في الدول الاسكندنافية . وحسب مصادر رسمية سويدية” يُعرف شافعي (29 عاماً) إعلامياً بلقب “قائد الاغتيالات” ضمن شبكة فوكستروت التي يتزعمها رافا مجيد ــــــــــ عراقي أيضا ً ـــــ لدوره في أعمال عنف خطيرة نفذتها العصابة” علما لقد بذلت السويد كل جهد لتوفير حياة لائقة لشافعي عندما كان مراهقاً برعاية تامة لكنه ذهب الى جماعات الاجرام.
لكن عالم اجرام المنفيين لا يقتصر على الجرائم الجنائية كالسرقة والقتل فحسب بل نقلت جماعات سياسية وحزبية كل ارثها القذر في اساليب التخاصم الى الخارج لانها لا تستطيع العيش في بيئة نظيفة. دراسة حياة المنفيين في ظروف مختلفة تلقي الضوء على حجم الخراب النفسي في الأوطان وعن صورة المستقبل. المستقبل كيف نفكر ونتصرف، الآن.
على عكس مثال شافعي، هناك رحلة في اتجاه معاكس للنماذج نفسها. بعد سقوط النظام والاحتلال عاد عراقي يعيش في العاصمة اوسلو الى البصرة مع مجموعة من السياسيين والكتاب اقاموا في فندق مرفه في الكويت على حسابها في انتظار الغزو وضجروا من الانتظار من بينهم حسن العلوي ومحمد عبد الجبار الشبوط وفائق الشيخ علي الذي تشاجر مع صاحبنا” البصري” على من يكون سفير العراق في الكويت قبل الاحتلال بشهرين وبعد الاحتلال عين فائق الشيخ علي نفسه سفيرا قبل تشكيل حكومة وقام بجولة برفقة صحفيين في السفارة متوفرة على اليوتوب ووعد باصلاحها وترميمها
وطرد فيما بعد.
والبصري كاتب كما يزعم ــــــــــــ هذا الصنف إما شاعر أو كاتب عند السفر ــــــــــ وبدل تاسيس مركز ابحاث ونقل تجربة الديمقراطية ونشر سياسات التسامح والصفح وبناء وطن عادل، فتح مركز تعذيب لخصومه السابقين في البصرة لكن عندما افاق الناس من صدمة الاحتلال والانهيار هجموا عليه وهرب الى الكويت وهذا” البصري” نموذج حقيقي للانتهازي الذي كان يعارض نظام صدام حسين مع انه نسخة ونموذج له لكن احتاج الى سلطة لكي يكشف عن نفسه.
عاد ” البصري” الى النرويج بعد فشل مشروع المسلخ من الازدحام وكثرة المشاريع المنافسة وهو اليوم أقوى الأصوات جعيراً عن الديمقراطية والنظام السياسي في العراق وضد الفساد ونسي رحلته الى العراق في بناء مسلخ تعذيب.
كما قال عبد الرحمن منيف” في الوطن نكتشف المنفى وفي المنفى نكتشف الوطن” يتحول الوطن الى منفى عندما لا يكون عادلاً ، لكن في المنفى نكتشف الوطن لانه يسقط الفضائل الوهمية والحنين الزائف وتصبح الصور بحكم المسافات والحياة الجديدة أوضح. من في الدخان لا يرى الصورة من زوايا مختلفة مثل من يقف في مكان نظيف مضيء.
هذه التفاصيل المهملة المبعثرة تشكل الرواية والسردية الحقيقية المخفية عن المستقبل وقبل الاحتلال ومن دراسة عالم هؤلاء توقعنا صورة المستقبل وحسنا فعلت الروائية انعام كجه جي وتجرأت في رواية” صيف سويسري” في كشف عالم هؤلاء المحاط بهالة مزيفة كما لو ان العراقوية ايديولوجيا مقدسة لا تناقش ولا تنتقد عكس كل شعوب العالم التي بنت حداثتها على النقد والسؤال والمراجعة.
الحياة مجموعة تفاصيل صغيرة وزوايا مهملة منسية ومسكوت عنها لكن الخطاب السياسي السائد منذ القرن الماضي منشغل بالشعارات الكبرى والخطابات لكن الحقائق في مكان اخر وفي الظلال الخفية.
تعال أدلك أين يوجد المستقبل لكي لا تقضي ما تبقى لك من عمر في تحليل خطابات السفهاء وتأمل حيطان الشعارات . هذه ليست الواقع بل وظيفتها أخفاء الواقع الحقيقي خلفها. الواقع الحقيقي يتوارى ويكتشف بالبحث والتامل والفكر لانه محتجب.
إذا الأب دايخ ومعلم الحساب ينافق على معلم القراءة وهذا ينافق على معلم الرياضة ، ومعلم الدين ينافق على معلم الرسم اليساري،
وجارك اليمين أثول، واليسار شرطي أمن، وأمك تقضي الوقت بين قارئ الكف لو مشعوذ يسحر للأب، فكيف يتوازن الطفل؟
السلطة تثقف ضد المعارضة وبالعكس،
ورئيس عشيرتك رثع ومشغول بالمضيف والكاولية وتلميع الشوارب وضرب الفشك والولائم،
وعمامك في الكهاوي يثردون حجي والحقل مهجور،
ومسؤول الطبابة الاداري مدلكجي حمّام،
ومدير الطيران صياد عصافير لو كشواني نعل، واذا كان زعيمك الحزبي
طرن ودايخ ومضيع صول جعابة،
واذا زاد الطين بلة كما يقال أن يكون جارك كلما خرجت الفجر للعمل،
تعثر عليه يحفر بأنفه ونصف وعاظ بلدك طبقة فراغية تعيش على انتاج الاساطير والعطب النفسي،
لاشغل ولا عمل وتبيع المخدرات على شكل خطابات.
اذا كان اصحاب ورشات تصليح السيارات في شارع الشيخ عمر في صراع مع اصحاب ورشات تصليح السيارات في شارع النضال، وكتاب الرواية في العراق ضد كتاب الرواية في الخارج وهؤلاء فرق وملل وطوائف، ونصف شعراء البلد صاروا شعراء عند السفر في التسعينات، وتاريخ العراق تاريخ نخبوي وليس تاريخ الهامشي والمقصي ، من هذه الصور ومن غيرها تتخيل المستقبل لأنه كامن في هذه التفاصيل.
عمتك عانس عيونها على الدرب لا تحلم بعدالة ولا ديمقراطية ولا قانون
وفكرة الدولة الفاشية والديمقراطية عندها الشيء نفسه، وكل ما يشغلها عريس فالت من مجزرة ينبثق من السراب ولو بعين ورجل واحدة ولايشتغل فيه غير الماطور.
12 قاعدة عسكرية امريكية ونصف مخابرات العالم في العراق من غير قوات خاصة غربية وعربية ودول جوار ومن يتحدث عن السيادة والاستقلال،
وانت جالس امام الشاشة لو الحاسوب مشغول بفريق برشلونة وتسبّح تحت شعار سقراطي: الما عنده شغل يلعب بغراضه …الخ.
تريد ديمقراطية وتوزيع ثروة ونازل للشارع تريد اسقاط النظام وانت بالكامل ملخص نظام لان النظام عقلية وذهنية وطريقة حياة . بنطالك مزقته مسامير قنفات المقاهي،
وكلما طلبت يد إمرأة قالوا لها هذا مثقف وعايش بالغرب يحولك راقصة.
اذا كان القائد العام للقوات المسلحة لا يفرق بين حظيرة الغنم وحظيرة الجيش، وبين التعبئة العسكرية وتعبئة الهاتف وجميع قادة القوات المسلحة منذ زمن صدام حسين ومن عام 2003 حتى اللحظة هم من الفرارية ولم يخدموا يوما في الجيش،
ووزير التجارة لص وهارب ووزير الدفاع الاول لص وهارب ووزير الكهرباء لص وهارب،
ورئيس الجمهورية نائم وكل دوره تقويض وطنك التاريخي،
ورئيس مجلس النواب مختل وطائفي وهو في مرحلة الحيمن، واذا كنت تعيش تحت دستور مزور وقانون ملفق، وثقافة مشوهة وثروة مسروقة،
ومعارضة مشتراة سلفاً، فكيف تتحدث عن مستقبل مشرق؟
ويقول لك واحد مطفي لو منتفع من الخراب والجثث وأبله:
” لا تركز على الجوانب السلبية،ركز على الايجابية، شوف الكأس الملآن وإترك الفارغ”
إختزال غبي لكوارث شعب، كما لو أن ” الفارغ والسلبي” ليس بحيرات دم وأجيال تحتضر بلا أمل ولا مستقبل،
ومدن أنقاض وموت أبيض بلا دم بالتلوث والضيم والوعود الزائفة والانتظار الساذج الاخطر من اليأس لأن اليأس قد يكون محفزاً ومحرضاً على العمل والأمل.
الزمن القادم موجود في الزمن القبيح الحاضر والماضي ولا شيء يولد من الفراغ ولا شيء يذهب الى العدم ونحن نعيش في زمن واحد هو الماضي المستمر وبلا قطيعة معرفية وفكرية مع الماضي والعقل السياسي الرث لن يتغير الفرد ولو وضعته في منتجع سويدي او نرويجي ووفرت له كل ضمانات الحياة الكريمة ما دام العقل المصاب والجريح والذات المحطمة تعمل في الخفاء لكن بأقنعة.







