غير مصنف

العنوان قراءة وجدانية مضيئة في نصوص ريم النقري بقلم الأديب أ. زيد رشيد

قراءة وجدانية مضيئة في نصوص ريم النقري
بقلم الأديب أ. زيد رشيد

💚💚مقدمة :
أنوثة من ضوء وقلق

حين تكتب ريم النقري، تشعر أن اللغة ترتدي جسدًا من حرير ورجفة.
تكتب وكأنها تخرج من شقوق الحلم إلى فناء الحقيقة، حافية من الزينة، عارية من التكلّف، تحمل في كفّها جرحًا صغيرًا وفي الأخرى زهرة مبلّلة بالندى.

نصوصها لا تصرخ، لكنها تُزلزل الهدوء.
هي امرأة تعرف كيف تُدخِل القارئ إلى غابة من النور والظل، حيث يختلط الحنين بالتمرد، والعشق بالوعي، وحيث الأنثى ليست مخلوقًا يُرى، بل كائن يُشعّ.

نصوصها طقوس تطهير بالكلمة، رحلة من القلق إلى الشفاء، من الانكسار إلى القوة الداخلية، من الظلام إلى الضوء الداخلي، حيث اللغة ليست زينة، بل طريق إلى الرؤيا والوعي العميق.

🌹🌹نبض خارج عن تقاليد الأنوثة

النص

أتسمع نبضًا
يرقص على جسدي!

نبض خارج عن تقاليد الأنوثة
فللقوارير نبوءة!

تعال نعقد صفقة مع الألوان
رتب جسدي كما تشاء
ارسم ملامحي
والمدرك الضائع مني
على جدران المساء.
رغوة تخترق غيم الصمت
في بهو الصدى
تحترق كأسطورة بلا عنوان

هل وصلتك رعشة قلقي!
رتب كلك على مقاس
نرجسة
اعشوشبت في ماء قلبي

وقبلة
تستوطن بلاغة انبعاثي

ولونا يغني
بعيدًا عن جنازات المحابر
وكوابيس الهذيان

القراءة الوجدانية :

“أتسمع نبضًا يرقص على جسدي!”
النص يبدأ باحتجاج وجودي على الأعراف والتقاليد التي تحاول قيد الأنوثة. النبض ليس مجرد حركة جسدية، بل وعي كوني ينبض بالإبداع، إعلان انفصاله عن القوالب التقليدية.

الأنوثة هنا حضور شعوري وفلسفي؛ الجسد مساحة للخلق، والروح لوحة تُعاد تشكيلها بإرادة الذات.

“تعال نعقد صفقة مع الألوان” — دعوة للتفاوض مع الجمال، إعادة رسم الذات، ممارسة سلطة الاختيار، حيث الحب والقلق يصبحان لغة مشتركة، والارتجاف الإنساني طقسًا للحياة الداخلية.

🌹🌹الشيء المبهم الذي يشبه الظلام

النص

ثمّة شيء مبهم
شيء يشبه الظلام
ليس ظلمة
فيه دبق نور ضئيل

شيء ما
يمشي كنزيف وسيم
لا يعترف بتأويلات الألم
ولا غطرسة الابتسامة الحانية
في زلّة الالتئام

شيء ما
كعالمنا الخالي من الجدران
دمى تتحرك بلا خيطان
والمهرج يتسوّل العرض
من لحظات عجاف

وثمّة أنت
تقطع أوصال حاضري
بفكرة عصماء
تعيدني إلى غدي
بغمضة نازحة
فأضع نقطة حرجة
وأعيد الكرّة

القراءة الوجدانية :

النص عتبة فلسفية: المسافة بين الظلام والنور، بين الألم والوعي، بين الحرية والإكراه.

“فيه دبق نور ضئيل” — هشاشة مضيئة تحافظ على الذات وسط الفوضى.

“دمى تتحرك بلا خيطان” — سؤال عن الإرادة والحرية في عالم ميكانيكي، بينما “أنت” يمثل فجوة ضوء، تذكّرنا بأهمية الحب والوعي لإنقاذ الذات من العدم.

🌹🌹وها نحن يا أناي

النص

وها نحن يا أناي

نحلق كنورسين في سراب الغيم
بعينين طافحتين
بدمع الاحتمال

نجدف بلسان الوقت
فرحة شحيحة
في شرايين الصباح
نجرح بها
لمعة الانكسار

القراءة الوجدانية :

نداء مزدوج بين الذات والظل الداخلي، بين المرأة التي تعيش والآخر الغائب في الداخل. التحليق في الغيم والسراب يرمز إلى الوعي العميق المتأمل في الأمل والخوف، الاحتمال والفرح الشحيح.

“نجدف بلسان الوقت” — اللغة كأداة للبقاء، لتحويل الألم إلى ضوء، والانكسار إلى نافذة على المعنى. الدموع ليست ضعفًا، بل وجه آخر للضياء الداخلي.

🌹🌹أن تصحو مغسولًا من الأحلام

النص

أن تصحو مغسولًا من الأحلام
وتكسر جليد الواقع بدعستك الدافئة
إنه لوهجك الأسمى

القراءة الوجدانية :

الاستيقاظ مغسولًا من الأحلام طقس داخلي، ميلاد جديد للوعي بعد الليل الطويل من الخيال والتخيلات. الجليد يمثل الجمود والقيود، والدعسة الدافئة رمز للفعل الواعي، للقدرة على مواجهة الحياة بروح نضرة ومتجددة.

الوهج الأسمى هو نور داخلي ينبثق من الذات، قدرة على مواجهة الواقع بوعي وحرية، وتجربة النمو النفسي والفلسفي في آن واحد.

🌹🌹مأدبة الشفاء

النص

وأنت تقف على صخور الجراح
اخلع ثوب الحداد
كن رشيقًا كأغنية تطفو على سحابة ناي
وأقم مأدبة على شرف الشفاء
ثم تنهد زفرات الإرادة

القراءة الوجدانية :

النص يضعنا على صخور الألم والتجربة. خلع الحداد طقس وجودي لتحرير الذات من القيود الداخلية.

“كن رشيقًا كأغنية تطفو على سحابة ناي” — تحويل الألم إلى موسيقى، التجربة القاسية إلى لحن متسامٍ، والوجع إلى ضياء داخلي.

“أقم مأدبة على شرف الشفاء” — احتفال بالوجود، بالإرادة، بالنهوض بعد الانكسار. الشفاء ليس نهاية الحزن، بل إكرام له وتجربة وعي عميق.

🌹🌹قوة الابتسامة

النص

ما كل ابتسامة خجولة!
بعضها قوية كقوة الصباح
الذي لا يملك سوى رفاهية العلو

القراءة الوجدانية :

النص يُعيد تعريف القوة الهادئة: الابتسامة ليست مجرد تعبير سطحي، بل رمز للوعي الداخلي، للنور الذي ينبثق دون إعلان، وللقدرة على الصمود بصمت وسط العالم.

“قوة الصباح” — بداية جديدة، سمو داخلي، هدوء يضيء الحياة. الابتسامة الخجولة تحمل قوة وجودية، انتصارًا داخليًا على ثقل الحياة.

💚💚خاتمة مضيئة :
شعاع الوعي والأنوثة

في نصوص ريم النقري نواجه المرأة والإنسان معًا، كائن هش لكنه مضيء، قادر على الحب، الوعي، والنهوض بعد السقوط.

من نبض الجسد الخارج عن التقاليد، إلى الظلام الذي يحمل نورًا لزجًا، ومن تحليق النفس وسط الغيم والسراب، إلى الاستيقاظ مغسولًا من الأحلام، ومن مأدبة الشفاء إلى قوة الابتسامة، هناك رحلة وجودية متصلة، بين الخوف والأمل، بين الجسد والروح، بين الانكسار والنهوض.

ريم النقري تعيد تعريف الأنوثة والإنسانية: الأنوثة ليست أسيرة الجسد، بل حارسة الروح. الألم يصبح مادة للفهم، القلق لغة تواصل، والفرح نورًا ينسج جسرًا بين الذات والوجود. اللغة أداة للتحرر، جسر بين الحاضر والغياب، بين الواقع والروح.

كل نص شعاع، وكل كلمة صلاة، وكل لحظة قراءة رحلة في نور الذات والوعي والشفاء. ريم النقري ليست شاعرة الأنثى فقط، بل شاعرة الإنسان حين يكون في أوج هشاشته، حين يكتشف أن القوة الحقيقية تكمن في الضعف، وأن النور الداخلي ينمو من قلب الألم والفراغ والقلق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى