كتاب وشعراء

امرأة من خارج اللّغةِ … هيثم الأمين

امرأة من خارج اللّغةِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اخترعتُ نساءً كثيراتْ
في الأروقة التي سلكتها لأغادر وسادتي
وأسافر في النّوم،
في ورشات القصائدِ حيث اللّغة صلصال وألوان وموسيقى
وحيث اللّغة رَحِمٌ،
في المحطّات وأنا أنتظر الباصْ
أو.. وأنا أنتظرُ حديثا عابرا مع شخص عابرٍ،
فقط،
لنُجرّبَ كيف يكون الكلام بألسنة معتَقَلة…
وكلّما عانقني حزن قديمٌ صادفني،
في وحدتي،
فتذكّرُني
اخترعتُ امرأة واخترعتُ لها ظلالا!
كنّ نساءً لا يُشبهن أيّ امرأة أعرفها/ عرفتها
وكلّهنّ أحببنني
كما لم تحبّ امرأة رجلا، قَطْ؛
كما لم تُحبّني امرأة، قطْ!
وأنا.. لكلّ امرأةٍ
منهنّ
ابتدعتُ عشرات قصص الحبْ
وابتدعتُ لكلّ واحدة أسماءها وتفاصيلها
وحتّى جنونها ومدنا من حزن
لكِنّكِ.. وحدَكِ.. كنتِ امرأةً
بنكهة الأطفالِ، بمذاق النّساء الخبيراتِ،
بطعمِ الجوع والتّخمةِ والظمإ والارتواءِ
وكنتِ امرأةً جعلتني أُحطّمُ كلّ اختراعاتي!!
يا امرأة علّمتني أنّ اللّغةَ
– كما السّحر –
ليست أكثر من كَيْدِ شاعرْ
وأنّ امرأةً تولدُ من رحمِ اللّغةِ
ليسَتْ إلّا ظلّ امرأةٍ ومحاولة قصيدة!
يا امرأةَ علّمني زهر شفتيها
أنّ رجلا لا يكون سرب فراشاتْ
هو رجلٌ لم يجرّب الحبْ
وكلّ من عرفهنّ من نساء لَسْنَ أكثر من حبّات سكاكرْ.
يا امرأةً علّمني خصرها
أنّه حين أشرب شايي مرّا
– في حضرتها –
يصير حلو المذاقِ
وعلّمني صدرها البارزُ،
تحت القميصِ،
كيف يصير شاعرٌ
نجما
وكوكبةً من الأطفالِ…
آهٍ يا امرأةً لم تخترعها اللّغةُ
ولا اخترعتها الأحلامُ
وجهي زهرة تبّاع شمس
يُلاحقك في كلّ الأمكنةِ
وحين تغيبينْ
يصير وجهي وكيلا رسميّا للحزنْ
فإن كنتِ تظنّينَ أنّي أعشقكِ لأنّك امرأة جميلةٌ
فاعلمي أنّكِ
امرأة جميلة جدّا
لكنّي، قبلكِ، قد اخترعتُ عشرات النّساء الأجمل منكِ
ثمّ نسيتهنْ
ووحدكِ أنتِ
– مذ عرفتُكِ –
وأنا أنسى كلّ شيءٍ
وأَنساني في المقاهي، في المحطّات، على الأرصفة،
في أقسام البوليس،
تحت المطر و تحت الشّمس
وفي البيتْ
وأتذكرّكِ!
وهل ينسى رجل ٌ
امرأةً من خارج اللّغةِ
تتقنُ كيف تصنعهُ مدينة من رجال خرافيّين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى