كتاب وشعراء

نبيّ الفراغ….هيثم الأمين / تونس

اِلتهمْ.. فراغَكَ المحشوّ بدخانِكَ؛
دخانُكَ: صراخُكَ الذي يحترق داخل حنجرتكَ
وصراخُكَ سافانا شاسعة من العشب اليابس لا مطر وعده بالمجيء!
اِلتهم.. فراغَكَ.. حتّى التّخمةِ
ولا تتقيّأ منه شيئا
حين ترقص لكَ وحدتُكَ عاريةً
لتُغريكَ بأحاديث النّوافذِ المفتوحةِ.
كن.. نبيّا في فراغكَ
وامضِ.. دون أن تُعلِّمَ صُراخَكَ لأتباعك الأعداءْ.
امضِ
– أيّها القادم من فراغكَ –
إلى فراغِكَ
واقصص على أتباعكَ قصص الصّمتْ
ليدركوا لِمَ كان وجهُكَ
غائبًا.. ينتظرُكَ بعيدا
ولِمَ كان النخّاسون يبيعونكَ
– دون لغة يُتقنها النّسيانُ –
في أسواقِ ذاكرتِكَ…
امضِ.. أيّها النّبيُّ المرسلُ لأصابعِكَ؛
أصابعُكَ تنتظرك على مشارف اللّغةِ؛
اللّغة صهدُ حرائقِكَ
واللّغة وجعُكَ المتكرّرُ وحزنُكَ
وأحيانا، قُبلةٌ تطبعُها على ظلّ امرأة تعشقُها.
كم عاما وأنتَ مُهاجرٌ فيكَ؛
كم عاما وأنتَ منفيٌّ فيكَ
وكم عاما وأنت مُطارد فيكَ؟!
أجبني…
لسبعٍ وأربعين جنازةً مضتْ منكَ
وأنت تُهاجرُ – كلقلق وحيد – فيكَ
ومازالتْ أرصفَتُكَ تُنكِرُكَ،
مازالتْ ظلالُكَ تُنكِرُكَ
ومازلتَ تجلسُ في حاناتكَ وفي مقاهيكَ.. وحيدَا…
قبوُكَ أنتَ
وأنتَ
– في قبوك –
كلّ الأشياء التي لا تحتاجُها فيكَ؛
منسيّا.. كفرح عابرٍ قديمْ؛
منفيّا فيكَ!
أيّها المطاردُ فيك
منذ وقعتَ في القصائدِ
وعيناك تقتفيان تفاصيلكَ
في المرايا و في الواجهاتْ،
في الكلام كلّما صار الكلام بندقيّةً أو ثقبا في الفراغ
وفي عيون العابرينْ…
منذ أنهكتكَ القصائدُ
وسبّابتُك تطاردُ وجهَكَ كقاتل مأجورْ
وأنت تُهمَتُكَ الوحيدةُ
فمنْ يبرّئُكَ منكَ؟
أيّها الفراغُ المحشوّ بالفراغْ
وأيّها النبيّ الذي كفرتْ بكَ أصابعُكَ
وحدهُ.. صراخُكَ آمنَ بكَ
لكنّ حنجُرَتَكَ من أتباعكَ الأعداءْ
قتلتْه
ليُثمر الصمتُ في شجرة لغتِكَ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى