تنفس الأزمنة في متحف مصر الكبير…زكريا شيخ أحمد / سوريا

تنفس الأزمنة في متحف مصر الكبير
لم أزر مصرَ…
لم أزر المتحفَ الكبير بعد
لكنه جاءني في حلمي.
دخلَ من عيني
و حملني بينَ ضلوعي
كأنه نهرٌ من ذهبٍ و صمت.
لم يكن المتحفُ جداراً
كان صدعاً في قلب الزمان
حاول أن يرمِّمَ ما تبقى من الإنسان في الإنسان.
كلُّ حجرٍ هنا
يمسكُ بظلِّه كي لا يهرب الضوء
و تمثالٌ بلا عين
يراني أكثرَ مما أرى .
سبعونَ يوماً… قالوا
تحتاجُ كي تمرَّ على كلِّ قطعةٍ
و أنا أحتاجُ عمراً واحداً
كي أخرجَ من قطعةٍ واحدةٍ
اسمُها مصر .
في الردهةِ الأولى
كان الفرعونُ يعيدُ كتابةَ نشيد الفجر
و في الثانية
كانت أنوثةُ النيل تغسلُ المومياء بالماء و الملح.
كلُّ شيءٍ هناك
يتذكرُ ما لم يحدث
و يحدِّثُ الغيابَ كأنَّه صديقٌ قديم.
أنظرُ إلى قناعِ الذهب
أراهُ يشبهُ وجهَ الأرضِ حين تخجلُ من خلودِها.
و أتذكرُ أنَّ الحضارةَ ليست تمثالاً
بل قلباً تعلمَ كيف لا يخافُ الفناء.
المتحفُ الكبيرُ …
هذا النهرُ الصامتُ لا يعرضُ التاريخَ
إنّه يفتحُ جرحَهُ كي يرى الزائرون دمَه.
و حين خرجتُ
لم أكن أبحثُ عن المخرج
كنت أبحثُ عن الباب الذي دخلَ منهُ الضوءُ أولَ مرّة.
لم يكن خارجي هو الذي تغيّر
ما تغيّرَ كان الداخلُ الذي صار مصراً
و المتحفُ أصبحَ ذاكرةً تمشي في دمي.
مصرُ…
يا التي تحرسينَ الترابَ كي يظلَّ حيًاً
أيُّ يدٍ تلك التي كتبتْكِ؟
و أيُّ إلهٍ قالَ:
” لتكنْ الكلمةُ حجراً
و لتكنْ الروحُ نيلاً لا ينضب”
( مصر تشرق أولاً
و التاريخ يتبعها)







