كتاب وشعراء

طيف الرحيل بقلم / نازك حكيم / العراق

طيفك الراحلطيف

نبدأ بالحديث، وقبل كل شيء، بسم الله، وعلى بركة الله نبتدي، وبعطر الرسول نهتدي.

أبي حامل الهدايا
منذ أن كنا صغارًا، كان أبي يأتي ومعه الهدايا وقالب الحلوى.
لم يدع شيئًا إلا واشتراه لنا.

كان الأب الأجمل والأروع، يحدثنا ويضحك معنا، يحيي لنا القصص والحكايا، ويلعبنا ونحن صغار لا تفارق الضحكة شفاهنا.

وأمنا بحنانها تغمرنا، وبعطفها تحيطنا، تخيط لنا أجمل الثياب، وأجمل ما يمكن أن يرتديه الأطفال، رغم الظروف المأساوية.

أبي، ما أجمله من أبٍ، وما أحنّه علينا.
يأخذنا برفقته إلى المتنزه، وهو متعب، والحزن على وجنتيه.
يخرج من المنزل باحثًا عن عمل، يفكر كل يوم بمصير أسرته وأطفاله، وعَيْشٍ هنيءٍ ينشده.

الفصل الثاني: أيام صعبة مرت علينا

في هذا الفصل أحدثكم عن أيامٍ تكاد تُفطر قلب أبي الحنون.
مرت علينا أيامٌ نشكو فيها الجور والجوع، بسبب ضيق الحال وعسرته، وعدم وجود قوت يومنا.
كنا عائلة مكونة من ثمانية أشخاص.

أيامٌ جميلة وأخرى تكاد تُبكي القلب من الحزن.
مدارس، وملابس، ومؤونات، وعيشٌ بسيط، وأبٌ لا يريد أن يقصر بواجباته كأب.

عمل أبي كثيرًا من الأعمال الشاقة رغم مرضه وتعبه، ليؤمن لنا العيش الرغيد والحياة الهادئة.
ينتقل من عملٍ إلى آخر ليجلب لنا ما نحتاج إليه من طعام وشراب.

أحيانًا يعدّ لنا وجبة الإفطار بنفسه، يهتم بدراستنا، ويحاول قدر المستطاع إسعادنا، رغم قسوة الأيام.

الفصل الثالث: لحظة اكتشاف مهاراتي الكتابية

هنا أروي لكم عن نفسي، وعن ذكرياتٍ جميلةٍ لا تُنسى.

كنت صغيرة، أقلب الأوراق والكتب، وأحب القراءة والكتابة.
والدي شجعني على الاستمرار في الكتابة.

ذات يوم، كتبت عن شجرةٍ تنبت وحدها بين الأشجار.
كنا نعيش بعيدًا عن الأهل والأقرباء، فبتُّ حزينة أشتاق لرؤية عمي وعمّاتي وخالاتي وكل من هم من صلبي.

كتبت الشعر، وقرأته على مسامع والدي. شعر بالحزن، وقال لي:

يا ابنتي الصغيرة، أبكيتني.

اختلطت مشاعري حينها، وقال لي:

هل تودين أن نرجع إلى ديارنا؟

فقلنا جميعًا: نعم الآن!
فهذا المكان بعيد عن أحبائنا.
أحيانًا يكون الابتعاد سببًا في برود المودة، فقرر أبي العودة إلى ديارنا.

الفصل الرابع: العودة والبؤس

في هذا الفصل أحدثكم عن أهمية البعد أحيانًا، لا عن الناس، بل عن الخصومات والمشاكل.

أنا لا أدعو إلى الابتعاد عن الأقارب، بل إلى الصفاء والنقاء.
فقد قالوا قديمًا:

ليس الغريب غريب الأهل والوطن،
إن الغريب غريب اللحد والكفن.

مشاعري مختلطة، تهمس بالحزن واليأس والمرارة.
فبعض الأقارب تراهم غرباء، إن لم يولد المرء بينهم أو يشاركهم طيب المعشر.

الحياة ليست كما نتصور ونحن صغار، نتشاجر، نفترق، نعود، ونتصالح.
ليست قصة تُروى فحسب… بل الحياة أعظم من ذلك بكثير.

الفصل الخامس: خسارة من نحب

تارةً نفرح، وتارةً نحزن.
لكن الحزن الأكبر حين نخسر أعز الناس إلينا.

مشاجرات، خصومات، أحداث تتسارع.
قصة لا تُروى، وحكاية لا نُكملها، ونكتفي بالقول: خسرنا بعضنا البعض.

لم يعد للنقاش معنى، ولم يعد أبي كما كان.
تغير بسبب زوجته الثانية، لا ندري كيف ولماذا ومتى… المهم أن الأمر حدث.

أبي العظيم، ببساطته وطيب فطرته، استطاعت تلك المرأة أن تأخذه منا، وتمنعنا من رؤيته إلى الأبد.

الفصل السادس: طيفك جاءني يومًا

غادر أبي المكان، وكانت أحداث الموصل والأنبار مشتعلة.
ذهب بعيدًا إلى أصدقائه، وحين كنا نتصل، كانت زوجته تخبرنا أنه غير موجود.

لم يكن يكلّمنا، ولا نكلمه، لكن الشوق كان يملأ القلوب.
لو لم نعد إلى ديارنا لكان الحال مختلفًا، لكن قدر الله وما شاء فعل.

توالت الأحداث، وسيطرت الجماعات المسلحة على مناطق كنا نعيش فيها.
دمار وخراب، وأوضاع تفطر القلب.

اشتقت لإخوتي وأبي وأمي، وأنا الآن في بيتي، متزوجة ولدي أطفال.
أتصل ولا أحد يجيب.
انقطاع التواصل جعلني أجهل الكثير مما يجري حولي.

الفصل السابع: رحيل أبي

أنا الآن متزوجة، أعيش مع أبنائي، أحاول أن أقف على قدمي رغم ثقل الذكريات.

توالت الأحداث دون أن أفهمها.
أبي كان في الموصل مع زوجته.

اتصلنا به عندما توفيت جدتي، ولم نستطع التواصل.
بعد أسبوع، اتصلتُ به متلهفة لسماع صوته.

قلت:

أبي، كيف حالك؟

أجابني بحزن:

بخير…

كانت الكلمات بالكاد تخرج من بين أنفاسنا.
قلت له:

أبي، اتصلنا ولم ترد، وجدتي توفاها الأجل.

قال بدهشة:

ماذا؟ كيف؟ ومتى؟

صدم أبي بالخبر، كاد يجنّ من الحزن، ومنذ تلك اللحظة، صار يتصل بنا دائمًا، كأنه شعر بأننا سنفترق قريبًا…الفصل الثامن: الحزن الأخير

الحزن سيطر عليه، وحال بيننا وبينه الموت.
قُصف الدار الذي كان فيه أبي…
سمعنا الخبر، ولم نصدق.
قلنا: لعلها إشاعة، أو لعل القدر قد أرجأه لنا يومًا آخر.

لكن الحقيقة كانت أقسى من الحلم.
اتصلت بي أختي، تبكي بصوتٍ مخنوق، قائلة:

“أبي استُشهد…”

تجمدت الكلمات على شفتي، وانطفأت الأنفاس في صدري، كأن الزمن توقف.
أصعقني الخبر، وبات الحزن سيد الموقف، لا صوت يعلو على صوت الفقد.

رحل أبي كما عاش… شريفًا، صابرًا، غريبًا في وطنٍ غريب.

الخاتمة

ليس كل من يرحل يهنأ،
ولا كل من هو موجود سعيد،
ولا كل من هو بعيد نادم.

الندم الحقيقي أن تكون في أرضٍ ليست أرضك،
وبين أناسٍ ليسوا ناسك.

مات أبي غريبًا، كما عاش غريبًا.
لكن الغربة ليست بعد المسافة،
الغربة هي بعد القلب والمودة،
حين لا تجد بين الناس من يفهم وجعك،
ولا من يذكرك بدعوةٍ صادقة في الليل.

سلامٌ عليك يا أبي،
يا طيفي الراحل،
يا عنوان الحنين الأبدي،
يا ظلًّا لا يفارق الذاكرة مهما مرّ الزمان.

الفصل الثامن: الحزن الأخير

الحزن سيطر عليه، وحال بيننا وبينه الموت.
قُصف الدار الذي كان فيه أبي…
سمعنا الخبر، ولم نصدق.
قلنا: لعلها إشاعة، أو لعل القدر قد أرجأه لنا يومًا آخر.

لكن الحقيقة كانت أقسى من الحلم.
اتصلت بي أختي، تبكي بصوتٍ مخنوق، قائلة:

“أبي استُشهد…”

تجمدت الكلمات على شفتي، وانطفأت الأنفاس في صدري، كأن الزمن توقف.
أصعقني الخبر، وبات الحزن سيد الموقف، لا صوت يعلو على صوت الفقد.

رحل أبي كما عاش… شريفًا، صابرًا، غريبًا في وطنٍ غريب.

الخاتمة

ليس كل من يرحل يهنأ،
ولا كل من هو موجود سعيد،
ولا كل من هو بعيد نادم.

الندم الحقيقي أن تكون في أرضٍ ليست أرضك،
وبين أناسٍ ليسوا ناسك.

مات أبي غريبًا، كما عاش غريبًا.
لكن الغربة ليست بعد المسافة،
الغربة هي بعد القلب والمودة،
حين لا تجد بين الناس من يفهم وجعك،
ولا من يذكرك بدعوةٍ صادقة في الليل.

سلامٌ عليك يا أبي،
يا طيفي الراحل،
يا عنوان الحنين الأبدي،
يا ظلًّا لا يفارق الذاكرة مهما مرّ الزمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى