إرباك الوعي الطفولي بين الضبط التربوي وحقّ النمو الحر بقلم الكاتبة: نرجس الشجيري

يُثير الجدل المتكرر حول مسألة التكليف الشرعي بالحجاب للأطفال إشكالية تربوية عميقة تتعلق بمدى توافق بعض الممارسات الاجتماعية والدينية مع مراحل النمو العقلي والانفعالي للطفل.
فمحاولة تحميل الطفل مفاهيم تتجاوز قدرته الاستيعابية تُعدّ شكلاً من أشكال الاستلاب المعرفي المبكر، بما يترتب عليه من ضغوط نفسية قد تُعيق بناء شخصية متزنة وواعية.
وهنا يبرز السؤال الذي لا ينبغي التغاضي عنه:
كيف يُبدع عقلٌ خائف؟
وكيف تنمو فكرةٌ في ظلٍّ رطب؟
إن الإبداع والنمو لا يحدثان في بيئة تُصادر حق الطفل في التجربة، وتسلبه مساحة الخطأ والاكتشاف.
يؤكّد علم النفس التنموي على أن الطفل ليس نسخة مصغّرة من الراشد، بل كينونة ذات خصائص إدراكية وعاطفية مستقلة، تتطور تدريجياً عبر مراحل محددة.
وبالتالي، فإن إدراج الطفل في منظومات قيميّة أو تكاليفية لا يدرك أبعادها، يضعه في موقع لا يتناسب مع مستوى نضجه، ويحوّل العملية التربوية من فعل تنمية إلى فعل إخضاع.
كما أن نقل الأفكار إلى الطفل يجب أن يخضع لضوابط منهجية تراعي قدرته على الفهم، وحقه في طرح الأسئلة، وضرورة توفير بيئة تسمح ببناء القناعة بدلاً من ترسيخ الامتثال غير الواعي.
إذ إن التلقين القسري، لا سيما حين يُغلّف بخطاب ديني أو أخلاقي، يُنتج فرداً يفتقر إلى الثقة بالتجربة الذاتية، وقد يدفعه لاحقاً إلى التمرّد الحاد على ما فُرض عليه في سنوات التكوين.
أما الحجاب، فهو ليس مجرد مظهر، بل منظومة قيمية وأخلاقية تحتاج وعياً وإرادة حرّة حتى تتحقق دلالتها المعنوية.
وعليه، فإنَّ فرضه على الطفلة بوصفه تكليفاً مبكراً، يختزل الجسد في إطار الخطيئة المحتملة، ويُرسّخ علاقة غير صحية بين الذات والجسد، تقوم على الذنب والرقابة أكثر مما تقوم على الوعي والاختيار.
إنَّ التنشئة التي تُنتج الخوف بدل الفهم، والصمت بدل الحوار، والطاعة بدل التفكير، تُسهم في تشكيل أجيال تتعامل مع مفاهيمها الأخلاقية والدينية من منطلق الخضوع لا القناعة.
وهذا يؤدي إلى مجتمع يعيد إنتاج أنماط السيطرة جيلاً بعد جيل.
ختاماً
إن نقل القيم إلى الأطفال مسؤولية معرفية وثقافية تتطلب وعياً علمياً بأسس النمو الإنساني.
وأي انحراف في هذه المرحلة قد يترك أثراً طويل الأمد على بنية الفرد النفسية وطريقة إدراكه للعالم.
من هنا، تُصبح التربية الواعية، القائمة على الحوار واحترام مراحل التطور، ضرورة لا يمكن تجاوزها إذا أردنا بناء مجتمع سليم فكرياً وأخلاقياً.







