د.إنجى فايد تكتب: المتحف المصرى الكبير صرح الألفية الثانية هدية مصر للتاريخ الحديث

فى لحظة استثنائية من عمر الوطن، تتجلى مصر فى أبهى صورها، لا كصفحات من التاريخ فحسب، بل كحاضر نابض يصنع المجد من جديد، فها هو المتحف المصرى الكبير، ينهض من قلب الجيزة، شاهدا على إرادة لا تلين، وحضارة لا تنطفئ، ليؤكد أن مصر – التى فى الخاطر والدم – ما زالت تُعلم العالم كيف تصاغ العظمة.
فمصر تشهد أحداثا استثنائية متلاحقة سعيدة، تشير بالبنان الثابت إلى نهضة حضارية فى مختلف المجالات سيذكرها تاريخ العالم الحديث..فالمشهد يتصدره الآن «المتحف المصرى الكبير» ولا شيء آخر..إن أثر هذا الحدث يمتد لأبعد مدي، فاسم مصر، الدولة العريقة الضاربة فى التاريخ صاحبة الحضارة، أصبح رقم واحد فى الإعلام الدولى الذى يتناوله بانبهار وفخر. وسيظل افتتاح المتحف المصرى الكبير بطقوسه ومراسمه وبروتوكولاته المختلفة، حديث العالم وسيظل مجالا للتحليل.
الجميع – مصريين وأجانب وكل محبى الآثار والحضارة المصرية القديمة والمغرمين بها حول العالم – استمتع بالبث المباشر للحدث الجلى الذى يجسد مشروعا ضخما وحضاريا يليق باسم مصر وقد شارك فى تنفيذه وإنجازه عدد لا بأس منه من المصريين والمتخصصين الأجانب كل فى تخصصه.
افتتاح المتحف المصرى الكبير يعد أكبر حملة إعلامية ترويجية عن مصر، وأضخم فرصة سانحة حيث الضوء مسلط ليشهد الجميع ما وصلت إليه مصر من نهضة حضارية حقيقية تفتح قنوات جدية للسياحة الفردية الفاخرة لتزيد نسبتها عن العقود الماضية .
يؤكد افتتاح هذا الصرح الذى كان فكرة ثم مشروعًا متعدد المراحل التنفيذية، اليقين بقوة الإرادة السياسية التى لا يستهان بشمولية رؤيتها فى أمورنا، وجديتها فى التنفيذ واستدامة دفعها للمشروعات كافة، سواء القديمة أو الحديثة.
لقد صُمم المتحف المصرى الكبير، ليكون منظومة ثقافية، سياحية متنوعة ومختلفة، فالأمر لا يقتصر على أنه صرح يحوى بين جنباته أكثر من 100 ألف قطعة أثرية ويٌحكى للعالم عبر سيناريو العرض المتحفى على عظمة وتاريخ مصر القديمة وقدرة وإبداع المصرى فى شتى مجالات الفن والنحت والعمارة ومختلف الفنون ، من تصميم ملابس وحلى وفخار إلى جانب إظهار التقدم العلمى والفكرى والعقائدى الذى تميز به المصرى القديم. ولا يقف أيضا عند النافذة التى فتحها المشروع أمام المنفذ والمول التجارى الذى أقيم حوله لينتهى الزائر بالتسوق من منتجات عالية الجودة فى الخامات والتصنيع «صنع فى مصر»، حيث نستعرض بها أفضل الصناعات المصرية المتميزة التى تشهد على ما وصل إليه الذوق المصرى فى بعض مجالاته من رقى الذوق وجمال الإبداع للأيادى المصرية المبدعة، وذلك من منتجات جلدية ومنسوجات ومستنسخات أثرية تحاكى القديم منها بإعجاز فنى وأشغال الألباستر.
هذا الأمر يفتح المجال لتنوع وتعدد الصناعات المحلية والابتكار والتنافس فى الجودة لتضاهى الذوق العالمي..لا نقف عند هذا الأمر، فالمتحف ومنطقة الأهرامات أصبحت الأولى من نوعها عالميا، لتحقق المثل الأحدث فى إدارة المنطقة الأثرية بحرفية . إنه لفخر لكل مصرى أن يشهد هذا الإنجاز وأن يكون مشاركا فيه وأحمد الله أننى شاركت يوما ما فى بداية المشروع حيث طلب منى -وأنا فى الثلاثين من عمري- والأستاذ محمد غنيم المشرف العام على مشروع المتحف وقتها -كرم الله مثواه – أن أكتب مقترح المتحف و برنامجه وأنشطته لتقديمه لهيئة التعاون الدولى اليابانية «جايكا» للتمويل، وهو ما تم بالفعل ونجحت فى مهمتى وحُرر لى خطاب رسمى لتوثيق ما أتممت وهى شهادة أفخر بها ، إلى جانب مشاركتى ضمن اللجنة الفنية لاختيار تصميم العمل مع كبار الخبراء فى مجال الآثار، وذلك بترشيح د. زاهى حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار آنذاك.
سيظل المتحف المصرى الكبير مشروعا قوميا، يشهد إسهام العديد وستظل الحكايات والقصص تروى عنه. فكل الشكر والتقدير للقيادة السياسية، وكل من شارك وأسهم فى هذا المشروع القومي، وإذا كانت الأهرامات وقت بنائها مشروعا قوميا حيث حرص الملك على تنفيذه بالحب، كذلك المتحف المصرى الكبير سيظل صرح الألفية الثانية هدية مصر للتاريخ الحديث ..إنها مصر التى فى خاطرى وفى دمى.
* كبير باحثى الآثار







