قصيدة: تأويلٌ متأخر، لامرأةٍ لم تُصدّق المرآة يومًا…ريان الهليس

قصيدة: تأويلٌ متأخر، لامرأةٍ لم تُصدّق المرآة يومًا
لم أعد أستعيرُ الطريقَ من أحد،
كلُّ خطوةٍ أمشيها تُعيدُ رسمَ الأرض
كما لو أنّ الترابَ يختبرُ ذاكرته،
ويسألني:
هل نحن نخلق المسار،
أم المسارُ هو من يتعثّرُ بنا؟
كنتُ أظنُّ أن الأسرارَ تسكنُ في البعد،
ثم اكتشفتُ أنّها تعيشُ بين ضلعين،
في الفراغِ الذي لم تلمسه يد،
حيثُ تنضجُ الفكرةُ
كحجرٍ يتدرّب على أن يصيرَ نبوءة.
لم أتعلّم البقاء،
ولا رحلات النجاة،
لكنّي تعلّمتُ كيف أفتحُ قلبي
كما يُفتح بابُ معبدٍ عتيق،
لا ليدخله أحد،
بل ليعرف الغبارُ أن لهُ وطنًا.
يقولون إنّ العالمَ يُقاسُ بالضوء،
أما أنا فأقيسهُ بمدى ارتجافِ الكلام
حين أضعُه قرب الحقيقة،
وبالظلّ الذي يتردّد
قبل أن يلمس كتفي،
كأنه يخافُ أن يوقظَ ما هدأ فيّ،
في كلِّ ليلٍ،
أسمعُ فكرةً واحدةً
تخرج من نومها،
تمشي بحذرٍ بين يديّ،
وتسألني إن كنتُ ما زلتُ أصدقُ
أن الإنسان ليس سيرةً،
بل عقدًا غير مكتمل
بين روحٍ تتذكّر،
وجسدٍ ينسى،
لا أعرفُ إن كنتُ نجوتُ أم تبدّلت،
لكنّي أعرفُ أن قلبي
لم يعد يطلبُ معنى جاهزًا،
بل أثرًا يُشبه الغيم
حين يترك شكلهُ على الماء
ثم يختفي،
كأنه يُعلّم العالم
كيف يكون الحضورُ بلا ادّعاء،
كلّ ما مرّ بي
لم يكن جرحًا ولا حكمة،
كان طبقاتٍ منّي
تجرّبُ سقوطها
لتعرفَ أيُّ قاعٍ
هو لها،
وأيُّ قاعٍ
هو بابٌ متنكرٌ في شكلِ نهاية،
وفي آخر الاعتراف،
حين أصبح الصمتُ أكثر صدقًا من اللغة،
مددتُ اسمي على الطاولة،
كما تُمدّ خريطةٌ أُعيد رسمها بعد قرون،
ونظرت إليه طويلًا،
لا لأتيقّن منّي،
بل لأختبرَ إن كان ما بقي
يستحقّ أن يُحمل.









