كتاب وشعراء

بعد أربع عشرة سنةٍ من التيه…..بقلم خالد إبراهيم

عادَ بعد أربع عشرة سنةٍ من التيه
عادَ في تابوتٍ يعرف الطريقَ أكثرَ منه
لم يكن عائدًا كان الموتُ هو العائد
يجرُّ عظامه كما تُساقُ الخيولُ في القيظ نحو الماء
ماتَ قبل ميلاده بيوم
فكأنّ القدرَ اختصرَ الرحلة ليمنحه دقيقةً واحدةً من العدل
غابَ أربع عشرة سنةً في منفىً لا رائحةَ فيه إلّا الحديد
ثم عادَ ليُدفنَ على الأرض التي أنجبته
بين ترابٍ يحفظُ اسمه كأنّه وعدٌ قديم
وفي حضنِ أمٍّ لم تنسَ ملامحه رغم ما نسيه العالم
كم أحسده على هذا الموت النظيف
كم أحسده على أن وجدَ موتَه في مكانٍ يعرفه
وأنا
أنا المعلّقُ بين غفوةٍ ونسيان
أخافُ النومَ كمن يخافُ فخًّا في وسادة
أخافُ أن أستيقظَ ولا أستيقظ
أن أكون ميتًا لا يُكتشفُ إلّا حين يتعفّن صمتي
حين تتسلّق رائحتي جدرانَ هذا البناء المهجور
حين تمرُّ قطةٌ وتشمّني
فتعرفُ أن الإنسانَ الذي هنا كان حيًّا ذات يوم
تُرى من سيعلن موتي؟
الجارُ الذي لا يعرف اسمي؟
أم الكلبُ الذي يعوي كلّ مساءٍ دون سبب
هل ستأتي الشرطة
هل سيكسرون الباب
ويجدونني جثةً تحت الضوء المطفأ
أم ظلًّا يطلّ منّي بعد أن تساقط اللحمُ عني؟
أخافُ موتًا لا شهودَ له
موتًا بلا أمٍّ، بلا أرضٍ، بلا رائحةِ قمح
أخافُ أن يبتلعني الليلُ كفصٍّ في فمِ الغربة
أن أذوبَ في العدمِ دونَ أن يلاحظ أحدٌ أنني كنت
يا لهذا الذي ماتَ في يوم ميلاده
كم يشبهُ المعجزةَ التي نُسيت في دفتر الله!
عادَ بعد أربع عشرة سنةٍ من الغربة
ليُدفنَ على أرضه
وأنا بعد أربعين غربةٍ ما زلتُ أبحث عن موتٍ يشبهه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى