كتاب وشعراء

ماجدة حسانين تكتب

قروية أنا

قروية
أعرفُ اتجاه القبلة من ميل السنابل
أقيسُ الموسم بخطواتِ أبي
المتعبة حين يعود من الحقل
تعبه كان ساعة الرمل في بيتنا
حين يجلس..
نعلم أن الشمس ستغيب بعد قليل.

كبرتُ على صياح الديوك
تعلمتُ العدّ لا من الكتب
بل من فوارغ الرصاص
التي نامت على ظهري.

في بيتنا الطيب
كانت الجدران تنطق بالحكايات
جدّتي تقول إن الطين ذاكرة
وأن النوافذ حين يغشاها الغبار،
تشتاق لأنفاس أهلها في الغربة.

ذات صيف
أحببت شابا يحمل يده خلف ظهره
كأنّه يخفي وعدًا
قال لي:
“أريد أن أزرعك في قلبي مثل شجرة تين،
أعنيكِ كل موسم،
وأفرح بكِ حين تثمرين صبرًا.”

لم أفهم تمامًا
لكنني ابتسمت
وقطفتُ له خصلة نعناع من حافة البئر،
قلت له:
“هذه من ماءٍ قديمٍ سقته أمي،
وأمطرت به جدّتي.”

غادر بعد موسم
ظلّت البئر تنتظر
كلما شربتُ منها
شعرتُ بطعمه في الماء
صادقًا، آسنًا، وغائبًا.

لكنني لم أذبل
بذرتُ أولادي كما يُبذر القمح
احتملتُ نوبات العطش،
وآمنتُ أن كل أرضٍ تحبك.. لا تتركك جائعًا.

قروية أنا
كفايَ تشققتا من الدعوات المرفوضة
لكن قلبي..
ما يزال غضًا كقلب عصفور
أفلتَ من يد طفلٍ وظَلّ يغنّي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى