رؤي ومقالات

سلام مسافر يكتب :كم يدوم عطر المحبة لدى ترامب؟

لم يجد رئيس أقوى دولة في العالم غير قنينة عطر، هديةً يُكافئ بها ضيفاً أهداه نسخًا من أول أبجدية وأول نوطة موسيقية في التاريخ.
المشهد المثير لدونالد ترامب مع أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني لم يدهش الضيف السوري كما يبدو؛ فالداخلون إلى البيت الأبيض ينتظرون من ساكنه الخارق للعادة تصرفاتٍ خارج البروتوكول، وصلت مرةً إلى حد عقد جلسة تعنيف لفلاديمير زيلينسكي العابر للمحيطات بحثًا عن سلاح ومساعدات مالية؛ فلم يقبض غير التعنيف والربح.
هدية ترامب المعطرة لا تستوي في كل المقاييس مع القيمة التاريخية لهدية القادم من دمشق الأزل؛ وقد لخص المشهد البون الشاسع بين العالم القديم ممثلاً بحضارات الشرق الأوسط ومهدها العراق وسوريا ومصر، وبين دولة عظمى بسطوتها تأسست من مهاجرين عنوانهم الوحيد البحث عن الحلم في العالم الجديد حديث التكوين قياسًا إلى الماضي السحيق لحضارات الشرق.
المفارقة أن العطار ترامب ومن سبقه في البيت الأبيض هم من يقودون أوركسترا السياسة الدولية بلا نوتات وخارج القواعد، يفرضون على شعوب العالم قواعد الأداء؛ وإذا خرجت دولة عن الصف، فإن صواريخ واشنطن لن ترحم.
لم يجد ترامب المهوس بالدعاية إلى حد النرجسية وتأليه الذات غير عطر يحمل صورته وأرقام سنوات إدارته؛ بسعر لا يزيد عن 250 دولاراً، هدية لرئيس دولة تنهض بصعوبة من دمار عقود البطش والحرب الأهلية، وسط انطباع لدى بعض المراقبين بأن الرهان على الإعجاب والإطراء السخي الذي رشّ الرئيس الأمريكي به مع العطر الشرع، قد لا يأتي بالربيع؛ فالسياسة في البيت الأبيض وقد تحول أثاثه بأمر ترامب إلى الأصفر المعشق بالذهب تعتمد في الكثير على مزاج الحاكم بأمره، ولا تخضع للمعايير التقليدية، وقد باتت بعد وصول ترامب منذ ولايته الأولى مجرد ذكريات تُروى.
اشتهر العرب بالعطور وقبلهم الهنود؛ وتفوق الفرنسيون في صناعة أنواع (parfum) للتغطية على الروائح المزعجة؛ حين لم يعرفوا ” الخلاء ” بعيدا عن المنازل والبيوت و قبل أن تصلهم الحمامات والصابون ومواد الطهارة، مع العرب والمسلمين الأمر الذي توكده التسميات إلى اليوم بالعربية والفرنسية. بل إن مؤلف كتاب “أجدادنا العرب” عالم اللسانيات الأكاديمي الفرنسي جون بريفو وجد مئات الكلمات بأصولها العربية في اللغة الفرنسية تشمل النظافة والمأكل والملبس حين لم يعرف الأوروبيون “السروال” و لا “الصابون” ولم يدخلوا “الحمام”، وهاجر بعضهم بحثاً عن الذهب في العالم الجديد من مختلف المنابت والأعراق لتنهض بهم دولة مهوسة بالسيطرة على العالم.
لا نعرف ما إذا كان عطر ترامب بارفيوم فواح لفترة طويلة كما الطيب، أم ماء تواليت بعد الحلاقة، لكن المؤكد أن الرهان على المواقف الأمريكية الطيّارة مغامرة خطرة، يتعين على ورثة الأبجدية الأولى ألا يذهبوا بعيدًا في الخيال، وأن يتوقعوا ما لا يُتوقع كالسائر في غابة تفترسها الكواسر.
فهذا هو العالم، وقد كان على الدوام؛ القوي يبتلع الضعيف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى