غير مصنف

قصة قصيرة بعنوان: أثقل من ظلِّه.. للكاتب: حسين بن قرين درمشاكي

​ارتفعت يده بثقل، كأنها تحرِّك كتلة رصاص، لترفع ياقة المعطف الصوفيّ القديم. لم يكن الجو قارساً، لكن البرد تسلَّل من الداخل، جاعلاً الجلد تحت المعطف جافَّاً وقابلاً للتشقُّق.
​كانت بقعة المصباح الأصفر دائرته الوحيدة. كلما تخطَّى حافة الضوء ببصره، شعر بأنَّ الهواء في الظلام يصبح أكثر لزوجةً وتهديداً. بقي مترسِّخاً في مركزه. ظله المائل على الأرض بدا كعملاق مهيب، أضخم من جسده النحيل بثلاث مرات. كان الظلُّ وحده هو من يحمل عبئاً لا يمكن للجسد الانحناء تحته.
​فرقعة حصى تحت نعل حذاء اخترقت السكون. توقَّفت الحركة على حافة الضوء تمامًا. سقط سؤال، كقطعة ثلج جافة، من صوت مبهم: “أنت بخير؟”
​لم يرفع عينه عن حذائه، والأصابع تعشَّقت في الخشب البارد أسفل المقعد، وشُدّت حتى ابيضَّت المفاصل، كما لو أنها تحاول غرس نفسها في جذع شجرة. صمتٌ تام، بلا اهتزازة نفس.
​انتظر حتى تآكلت آثار الخطوات في الصمت. بعدها، عاد السكون ليحتلَّ المكان، لكنه هذه المرة كان ساكناً قاسياً، يضغط على الصدر كلوح من رخام.
​رفع يده ببطء ثقيل، ثم سحب من عمق الجيب قطعة من نحاس باهت صقلته السنون. وضعها بعناية مبالغ فيها في جيب الصدر، حيث يُحفظ القلب.
​مدّ قدمه وسحق بعقب حذائه العسكري كتلة صغيرة عند أطراف الظل. تفتَّتت الحصاة تحت الضغط بخشخشة خافتة.
​نظر إلى المكان الذي ماتت فيه الحصاة، ثم وضع أصابعه على النتوء الصغير لجيب المفتاح. الشيئان لم يعودا يعملان: لا الحجر يسد فجوة، ولا هذا النحاس يفتح أي باب.
​أغمض عينيه، لأنه أراد التوقف عن الرؤية. انحنى ببطء حتى لام جذعه ركبتيه. أصبح المقعد الخشبي هو سريره، ودائرة الضوء هي سقفه الوحيد.

حسين بن قرين درمشاكي
كاتب وقاص ليبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى