رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :لغة الأدب ولغة السياسة

الكتابة بلغة الأدب الى جمهور مسيس ينام ويفيق ويثرد ويحلل كل ظاهرة كونية بلغة السياسة والغاء كل علوم الأرض،
كمن يعزف في مأتم أو يصلي في نادي العراة أو يدخل الى حفل تنكري بوجهه الحقيقي أو مثل بوذي دخل في موكب عاشوراء أو دخول أطرش في حفل موسيقي صاخب.
مرجعية الادب الوحيدة هي النقد الادبي وليست قراءات من خلال مفاهيم اجتماعية او سياسية كما ان مرجعية الطب علم الطب والفيزياء علم الفيزياء وورشة تصليح السيارات مفاهيم الميكانيك والخ.
الأدب يُناقش بلغة الأدب لا لغة المجتمع أو السياسة ولا أية لغة أخرى. لغة الادب تكشف ولغة السياسة مصممة على الكذب.
لغة الأدب تطرح أسئلة ولغة السياسية تطرح أجوبة مزيفة. لغة الأدب تبحث عن خلف الواقع ولغة السياسة ترسخ الواقع الظاهري. لغة الأدب لا هدف لها غير الحقيقة والمتعة والجمال ولغة السياسة لا هدف لها غير الاقناع والكسب والخداع…الخ الفوارق الكثيرة.
هناك فصيل من أهل القلم يحلل كل شيء بلغة السياسة، خبراء في الطبخ والتحليل النفسي عن بعد،
بلا عيادة ولا معرفة المريض ولا سرير فحص ولا حفر في الشخصية،
لو قال لك أحدهم مثلا انك تعاني من فوبيا الحشرات أو من رهاب المرتفعات أو حتى من الجنون ، عليك أن تصدق،
لأنه يعرف كل شيء بالشطح والهلاوس والهذيان والتلقين ومخلوق مبرمج على الاستقالة العقلية وكل ما عليك ألا تناقش الهراء بالمنطق وتحاشى الحفر العميق مع كائن مسطح لأنها ستكون رحلة تعذيب مع كائن يخاف عبور ساقية وأنت عبرت الأهوال وهو لم يفكر لحظة واحدة في قضية تفكر فيها أنت من كل الزوايا طوال الليل ، أنت طفت نصف الكرة الأرضية على قدميك وهو يخاف الخروج من عتبة الدار.
كتب هؤلاء عن الحروب من صالات وغرف دخان،
حولوا الجنود الى أصنام بلا عواطف ولا مشاعر ولا غرائز بل كأدوات وأهداف لأنهم لم يجربوا عالم الخنادق وهو عالم واسع جدا وليس رصاصا وقتلى .
أساتذة في تخمين مستقبل البشرية،وتوقعات تقلبات العملة ونتائج الحروب والانتخابات في فرنسا وتشيلي وتايلند وغيرها لكنهم لا يعرفون مواعيد وصول زبال الشارع
ولا عربة الغاز أو النفط ولا ما يجري تحت الواقع الظاهري المخفي لأن الواقع الحقيقي ليس ما نراه في السطح بل ما لا نراه.
لا يمكن اقناع هؤلاء بهذه المسلمة الفكرية التي يدرسها طلاب الغرب في أن الواقع الحقيقي هو المختفي حتى لمن يؤيده أو يعارضه. لو كان الواقع الذي نراه كما يظهر، فماحاجتنا الى علوم ومراكز أبحاث ونظريات علمية ومختبرات وأجهزة فحص وجامعات؟
ظاهرة هؤلاء الصالونجية الذين يعرفون كل شيء عن أي شيء، ظاهرة سياسية ثقافية ادبية ارتبطت بالاحزاب،مساحة هؤلاء المكتب والمقهى والحانة:
يضج الادب العراقي والشعر بهذه الأمكنة المغلقة كما لو اننا بلا حقول ولا صرايف ولا قرى،
ولا خيم عزاء ولا مقابر ولا بيوت أرامل ولا يتامى ولا مستقبل مجهول،
ولا أطفال اليوم في طريق مظلم غداً،
ولا تستغرب أن يطلب منك أحدهم أن تتحول الى مطرب لاسعاد الجمهور وليس كمثقف أن تصدم وتحرض الجمهور وتحفزه على الوعي وعلى مصيره ومستقبله الذي يسرق منه علناً.
أمام شعب يعاني من كوارث مضت وأخرى قادمة ، الصالونجي Salonji يرفض اي حقيقة لم يسمع بها لأن التمركز الذاتي نوع من العمى العقلي والعاطفي ولا يرى غير ما يريد أن يرى ،
لأنه محور العالم و كل ما لا يراه غير موجود وعادة يقول:
أنا لم أسمع هذا، أنا لم أر هذا، أنا …أي أنا لا أصدق هذا، وتعال اقنع ثورا في محل للزجاج هايج أن القرون ليست اللغة الوحيدة وان الشارع ليس حدود الأرض وهناك عالم مختلف وشعوب وثقافات ومعايير مختلفة ومعاييرك أنت لا تصلح كعملة أهل الكهف للتداول بين شعوب حية.
كيف استطاعت الاحزاب اليسارية الثور ـــ ية تحويل الشباب والشابات الى ببغاوات ملقنة تعاني من الخصاء العقلي كالعقم عن التفكير والحرن والعناد والتحيزات المسبقة والقوالب وتصوير هذه العاهات النفسية والعقلية على أنها من شروط “الثبات المبدئي” ؟ بالطرق نفسها التي تمكنت منظمات ارهابية من ترويض الأتباع: الايمان الأعمى، التلقين، التكرار، العقاب والمكافأة، كما يتم تدجين الحيوانات.
غالبية هؤلاء انتقلوا من السياسة الى الادب، فخربوا لغة الأدب كما خربوا من قبل لغة السياسة وحولوها الى شعارات. من يعتقد ثقافة الاحتراب تصدر من متعصبين وعنصريين وطائفيين هو واهم،
ومن يتخيل ان عقلية الوشايات ظاهرة في أوساط العامة هو على خطأ:
لكي يعرف الحقيقة أوضح عليه الجلوس في أي مقهى يرتاده الصالونجية،
ويصغي باحتراس وانتباه الى ثرثرة هؤلاء عن بعضهم، عندها سيعرف ان ما قرأه لهؤلاء غير ما يسمعه منهم، والأقوال ليست هي الأفعال، وهي ليست ظاهرة جديدة بل هؤلاء نتاج مجتمعات عانت من القهر والسطحية والانتفاخ المرضي ونتاج حقب من الثقافة السياسية الانشائية الشعاراتية التي قدست أوهام الناس لأجل الكسب الحزبي وفشلت في النهاية كلغة ودور ورسالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى