دراسة نقدية عن الشاعر الكردي السوري زكريا شيخ أحمد..محمد وليد يوسف

دراسة نقدية عن الشاعر الكردي السوري زكريا شيخ أحمد
مقدّمة
زكريا شيخ أحمد شاعر يمشي بهدوء على هامش الاندفاع، يمدّ اليد في الظلام فيقول: “كنا هنا”. هو ليس شاعراً يبحث عن الأضواء، بل عن اللحظة التي تضيء من تحت الركام. شاعرٌ كرديٌّ سوريٌّ، كتب حياتَه وشظاياها، الغربة والذاكرة والكتابة كمقاومة.
إن الدراسة النقدية التالية تهدف إلى قراءة تجربة زكريا شيخ أحمد من ناحيتَي: الأسلوب والتجربة (الذاتية – الجماعية)، ثم موقعه في المشهد الشعري العربي والعالمي من خلال بعض نصوصه
القسم الأول: التجربة والموضوعات
1. الجغرافيا والهوية
ينبثق صوت الشاعر من مدخلين مترابطين: *عفرين – الشتات*. يُشير نصّ بعنوان *البنية المزدوجة في نص زكريا شيخ أحمد … عن المكان والشاعر*إلى أن عفرين ليست فقط جغرافية، بل جرس الغُصة والقصيدة كأداة استبصار. ([altaakhi.net][1]) صحيفة التآخي
الاغتراب، النزوح، الحرمان من الأصل، كلها حاضرة كعناصر موضوعية في نصوصه. هذه الخلفية تُضفي على كتاباته طابعاً وجودياً، إذ لا يُكتب الوطن كذكرى فقط، بل يُكتب كجسدٍ مَنزوعٍ وأرضٍ تُعاين أغيارها.
2. الكتابة كنجاة (أُلغام، مرايا، كتابة)
الشاعر يقول إن الكتابة *لإزالة بالألغام المهيّأة للانفجار في رأسك*؛ هي فعل نجاة داخلي. في هذا المعنى، لا يُستخدم الشعر كصور جميلة فحسب، بل كأداة للبقاء.
الموضوعات تتعدّد: الذات، الغربة، الحرب، الأرض، الكتابة نفسها. ومن النصّ *لا أعرف كم وزني» نجد شعوراً بالثقل الوجودي:
*…أعرف أني أثقل إنسان في العالم… منذ ولادتي لم أحاول ولو لمرة واحدة فج رأس أحد وبحجر صغير…» ([مجلة نصوص إنسانية][2])
هنا الزّهر يُخترق ليس بالحجر فقط بل بالفعل الشعري ذاته.
3. من الشذرة إلى النصّ الطويل
كما لاحظت أسلوبه بدأ بشذرات شعريّة مقتضبة و نصوص شعرية ليست بالطويلة ثم تحوّل إلى رؤيا أوسع (مثل الرواية الأولى له: حدث في الشمال). ([cand.welateme.net][3]) ولاتي ما
هذا التحول يُشبه تحوّلاً من ذاتٍ مكتفية باللحظة إلى ذاتٍ تتوسّع لتشمل العالم المحترق كله. من هنا تأتي أهمية قراءة تحوّل أسلوبه ومضمونه.
القسم الثاني: الأسلوب والتحليل
1. اللغة والبساطة المعمّقة
أسلوبه معروف بأنه «لغة الأقرب إلى كلام يومي مصفّى لكن تنطوي على ومضات دهشة أو البساطة التي تجرح.
الجمل قصيرة، لا تكثيف بل تأمّل. مثال: *كل شيء يحاول أن يكون… لكنه يتراجع مثل ظلّ ينسحب عند اقتراب الفجر (من نصوصه).
التوازن بين الصورة الحسية (ظلّ، فجر، خشبة، مفتاح) وبين المفهوم (الوجود، الغياب، الوقت) يجعل نصّه معبّراً وقابلًا للتأمّل.
2. السرد داخل الشعر
يُدمج بين الشعر القصير جداً والنثر – *شذرات*أو *قصائد لا تتشبه بأحد*. في هذا الدمج يتم إدخال رمزية، مفارقة، وجرعة سردية.
القصيدة ليست فقط صورة، بل *قصة قصيرة جداً*أو *رجل وخشبة* – كما تشير إلى ذلك. الفعل الشعري يصبح فعل حكاية/حضور/غياب.
3. البنية والمجاز
التجريب البنائي واضح: نصوص قد تُقرأ من الأعلى للأسفل، لعبوية الهوية، تلاعب بالاسم والصورة، حتى «حرق الاسم والصورة» كتمرد داخلي.
الرموز تتكرّر: المرآة، الظل، الرماد، الغياب، العتمة. لكن رغم التكرار، يبقى التجديد في التزاوج بين هذه الرموز وحدّة الموقف الشعري.
4. التحوّل الأسلوبي والفلسفي
كما أشرت: الانتقال من الذات إلى الكوني، من الحزن اليومي إلى الحزن الوجودي، من البساطة إلى اللغة المشحونة بالمجاز.
في هذه المرحلة نجد الشاعر يجابه الموت، العدم، الأرض، الحرب، بل الكتابة ذاتها كمساءلة.
القسم الثالث: موقعه في الشعر العربي والعالمي
1. في السياق العربي
يمكن وضع زكريا ضمن تيار قصيدة النثر العربية التي تبحث عن لغة مُجدّدة، وتُنقّب عن الذات في مواجهة التاريخ. أما بمقارنة سريعة، فيمكن القول إنّه يقترب من:
* أنسي الحاج في الحُلم والنبرة التأسيسية.
* محمد الماغوط في الحسّ الساخر والتجريدي.
* محمود درويش من حيث علاقة الشعر بالكيان، الوجود، الوطن، الغربة.
لكن في النهاية، زكريا هو صوتٌ متميّز بذاته، ينطلق من خصوصية كردية-سورية لا تقلّل من عالميّته.
2. في السياق العالمي
إذا نظرنا إلى الأمكنة العالمية التي تحاول التعامل مع الشعر كتجربة وجودية/فلسفية، فإن تجربة زكريا يمكن مقارنتها – بشكل فضفاض – بكُتّاب الشذرة والمفتوحة، أو إلى تجارب مثل: ت س إليوت في التفتّت، أو جاك بريستلي في استخدام اليومية للتجريد.
لكن ما يجعله مميزاً ليس محاكاة، بل تقديمه لهذه الركائز من داخل تجربة النزوح، اللغة الكردية، الحرب، والكتابة كنجاة.
3. الإسهام والتميز
* لقد ساهم في إضفاء حضور لـ الشعر الكردي المعاصر داخل اللغة العربية، من خلال ترجمة مختاراته ونشرها. ([أنطولوجي][4])
* إتاحة الكتابة كأداة تفكيك وجودي، وليس فقط كمظهر جمالي.
* تقديم نصوص قصيرة قوية، ملغومة بالأيلام، لكنها تحمل حضوراً شعرياً فعّالاً.
خاتمة وتوصيات
في ختامه، يمكن القول إن زكريا شيخ أحمد هو شاعر *الحافة والرماد*، ليس لأنه يكتب عن الحافة فقط، بل لأنه يعيش فيها. نصوصه صرخات هادئة في وجه العدم، مرايا تنعكس فيها الأرض التي تهدّمت، والمرايا التي لا تزال تلمع رغم الغبار.
موقعه في مشهد الشعر العربي والعالمي لا يطلب أن يكون في الدرجة الأولى — بل أن يكون في *تصويرٍ حقيقي للمأزق الإنساني*. كاتبٌ يجعل من الكتابة فعل نجاة، من الشذرة عبارة ثائرة، ومن الهمس صرخة تغلق دائرة الصمت.
توصيات:
يستحق الشاعر و الكاتب زكريا شيخ أحمد تنظيم *دراسة موسعة* (ماجستير أو دكتوراه) عن *الشذرة* في شعر زكريا شيخ أحمد أو *الكتابة كنجاة – تحليل نصوصه*.
ترجمة المزيد من نصوصه إلى لغات غير العربية، لإتاحة قرّاء عالميين.
عمل ملف أو إصدار محكّم يجمع مختاراته مع قراءة نقدية، لتثبيته ضمن المناهج العربية المعاصرة.
*نحن لم نكتب لنخلد… بل لأن الرماد يحتاج اسماً أخيراً.*
بهذا، يكون زكريا شيخ أحمد قد وضع بصمته، ليس في بناء مجد، بل في *سؤال الشعر واللغة والوجود* مكاناً له، وترك للقارئ أثرًا صغيراً لكنه لا يمحى.
[1]: https://altaakhi.net/2025/08/180521/?utm_source=chatgpt.com “البنية المزدوجة في نص زكريا شيخ أحمد من النَفَس الملحمي إلى الومضة المدهشة – جريدة التآخي”
[2]: https://nososensani.blogspot.com/2019/03/blog-post_70.html?utm_source=chatgpt.com “لا أعرف كم وزني بقلم زكريا شيخ أحمد سوريا – مجلة نصوص إنسانية”
[3]: https://cand.welateme.net/article-8502/?utm_source=chatgpt.com “حدث في الشمال أول رواية للشاعر السوري الكوردي زكريا شيخ أحمد صدرت عن دار المثقف للنشر والتوزيع في القاهرة . – ولاتي مه Welatê”
[4]: https://antolgy.com/person/%D8%B2%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF/?utm_source=chatgpt.com “زكريا شيخ أحمد – أنطولوجي”
محمد وليد يوسف







