ماذا لو تَرَكَ رَمادَهُ الباردَ مّحتجَزًا في جسدي….بقلم خالد أبو العلا

سأُمسكُ بي عند أولِ فُرصةٍ لذلك
حين أتخلَّصُ من جسدي
وأصبحُ شفَّافًا كما لم أكُنْ من قَبلُ
وسأثبِّتُني تمثالًا في الميدانِِ
أصيرُ رمزًا
يطوفُ به مُريدونَ كثيرٌ
لهم أجسادُ فقط.
في الحاناتِ الرخيصةِ
ستلتقي حتمًا بامرأةٍ رخيصةٍ
وستتعرَّفُ على رجلٍ تافهٍ ،
لا قيمةَ له
لكنه قادرٌ على فَرْزِ زبائنَ الحاناتِ الرخيصةِ
إذ يُمكنُهُ من نظرةٍ واحدةٍ
أن يعرفَ أنَّكَ لَقيط.
للأُغنياتِ الوطنيّةِ وَقْعُ السحرِ
على قلوبِ البسطاءِ والشحاذين واللصوصِ
إذ أنها تجمعُهم جميعًا
على جُثَّةِ رجلٍ واحدٍ
أشعلَ النارَ في نفسِهِ في الميدانِ
احتجاجًا على شيءٍ ما يجهلونهُ
رغم أنهم يعتبرونه -في بعض الروايات- من عابري السبيل.
الغُرباءُ وحدهم
سيدفعون بقشيشًا سخيًّا للنّادلةِ البدينةِ
تلك التي تقدِّمُ لهم كؤوسَ الهويَّةِ الضائعةِ
وقنينةَ شَبَقٍ مُعتَّقةٍ
ونهدين مُترهِّلين من فَضلاتِ اللحمِ الأبيض.
أحمِلُني في قبضةِ يَدٍ واحدةٍ
أقبضُ عليَّ بِعُمري
حتى لا أتفلَّتَ مِنِّي مرَّةً أخرى
وأتبعثرَ في القصائدِ بشكلٍ يبدو عشوائيًّا
على هيئةِ شظياتِ مُدببةٍ من مرآةٍ عجوز.
ورقةٌ بيضاءُ
ولعنةٌ كنتُ قد خبَّأتُها في جَيبٍ سِرِّيٍّ في روحي
وذاكرةٌ تخونُني دائمًا حين أستدعي منها هويتي
فتخبرُني دومًا بأنني شاعرٌ
وتلك قصيدتي الألفُ أخيرة.
أصابعي الغليظةُ
تلك التي أُمرِّرُها على الحروفِ بحنانٍ بالغٍ
يومًا ما ستقفُ عاجزةً عن إدراكِ الكلماتِ الخَشنةِ
في مواجهةِ الخونةِ واللصوصِ
وساعتها سألبسُ قفازًا
يُمكنُ أن يجعلَ ملمسَها حريريًّا ناعمًا على جِلْدِ الوطنِ السميك.
ظِلّي خائفٌ الليلةَ
لذا سيبقى وحيدًا في غُرفةِ الفندقِ الباردةِ
وسيتركُني أتسكَّعُ طوالَ الليلِ
في الطرقاتِ كيفما أشاءُ
حتى إذا ما أدركَني الصباحُ
وَجدتُ ظِلِّي يُثبِّتُ نفسه في خطواتي
ويقودُني -مُرغمًا- إلى غُرفةِ بيتي الباردة.
ما كان له أن يختلسَ النّظرَ إلى روحي
بتلك الجرأةِ والوقاحةِ
هو محضُ رجلٍ تافهٍ..
كقبضةٍ من رمادٍ باردٍ
فماذا لو أبصرني وأنا مُتخفِّفٌ من وجهي
أو عارٍ تمامًا من حُزنِي؟
وماذا سأفعلُ لو أبصرَني حقًّا
فاحترقَ ، وتركَ رمادَهُ الباردَ مُحتجَزًا في جَسدي؟
يُخَيَّلُ إليَّ أنني تركتُ نافذةَ روحي مفتوحةً على جسدي
فتسلَّلتْ جُثّتي خِفيةً إلى الحانةِ الرخيصةِ
وبصقتْ في وجهِ النادلاتِ البديناتِ العَجائزِ والرجالِ التافهين اللقطاءِ
واستردَّتْ بَقشيشَ روحي
وعادتْ سريعًا
غيرَ أنَّ النافذةَ التي تطلُ على رمادِ روحي الحارِ
قد أُغلقتْ دُونَها.







