جرح الضوء… زكريا شيخ أحمد / سوريا

جرح الضوء
كنتُ أراكم مراياي،
أقيس وجهي بنظراتكم
و أستدلُّ على ملامحي من انعكاس حضوركم فيّ .
ثم اكتشفتُ أن الزجاج لا يعكس النور،
بل يجرحه
و أنّ أقرب الناس ظلٌّ طويلٌ
يمتدُّ حتى يبتلعَ ملامح صاحبه.
فجأةً…
رأيتُ وجهي يسقط من المرايا،
يتكسر إلى وجوهٍ صغيرةٍ
لكلٍّ منها ابتسامةٌ لا تشبه الأخرى.
أدركتُ أنني كنتُ أبحث عن نفسي في عيونٍ
تراني كما تريد لا كما أكون.
و من يومها صرتُ أُحدّق في الفراغ
كأنه المرآةُ الوحيدة الصادقة.
صمت و ما زلت
لا لأنّ الكلام يخونني،
و لكن لأنّي أخاف أن يراكم قلبي كما أنتم
لا كما أحببتكم أن تكونوا.
أخاف أن ينهار الحلم
حين أراه عارياً من الصدق
كبيتٍ بلا جدرانٍ في منتصف العواصف.
لم أُرِدْ حين يمرّ اسمي
أن يتراجع ظلكم في العتمة
ككلِّ شيءٍ لم يحتمل الضوء.
لكنّ الضوء… يا أصدقائي
ليس رفيقاً للذين يغمضون أعينهم طويلاً.
أبتسمت و ما زلت
ليس تواضعاً
و إنما شفقةً على الذين يظنون
أن الطعنة يمكن أن تغيّر شكل الجناح
أو أن الريح تطفئ نغمة العصفور.
كلُّ من أحبّني حاول أن يعيدني إلى الأرض
و كلّ من كرهني دفعني إلى الطيران.
فلم أعد أميّزُ
بين اليد التي صافحتني
و اليد التي دفعتني نحو السماء.
تعلّمتُ أن الحطب لا يلوم النار
و إنما يشكرها لأنها جعلته ضوءاً .
كذلك أنا…
لا ألوم من جرحني و ما زال يجرحني
بل أضيء أكثر في كل مرةٍ أحترق فيها.
و في العتمةِ التي تمشي نحوي
كنتُ أرى وجهي يتكوّن من رمادٍ طيّب
كأنَّ الاحتراقَ لم يكن موتاً
و إنما تمريناً على البقاء في الضوء.
الذين عبروا حياتي
تركوا في دمي ممرّاتٍ للغيم
و كلّ خيبةٍ كانت نجمةً
تأخّرت في الوصول إلى عيني.
الآن…
أفهم أن الطريق لم يكن طريقاً،
بل مرآةً مائلة
و أنني كنتُ الظلَّ الذي يعبر نفسه
ليتذكر أنه ما زال يضيء.







