د. فيروز الولي تكتب :اليمن… القصر الإمبراطوري لتربية الفشل وصقل العبث

في ركنٍ قصيّ من هذا العالم، توجد دولة لا تشبه أحدًا:
دولةٌ قررت أن تكون مدرسة عالمية في فن صناعة الفاشلين.
لا تتفوق في الاقتصاد، ولا السياسة، ولا الثقافة…
لكنها تتربع على العرش بلا منافس في بطولة:
كيف تُسقِط المبدع وترفع المُدمّر؟
بلادٌ لا تحتاج وزارات، بل تحتاج “مصلحة حكومية للتهديم” وأخرى “لتخفيض مستوى الذكاء العام”.
أولًا: التحليل النفسي — الشعب اللي يربي الكفاءة… لكنه يحتفظ بالفاشل كتحفة أثرية
الشخص الكفؤ في اليمن يعيش مثل الباندا: مهدد بالانقراض، وتتم مطاردته، والجميع يتساءل لماذا اختفى.
يحاول أن يفكر فيُتهم بأنه “ضد التيار”.
يحاول أن يعمل فيُقال له: “اهدأ يا عبقري، بتفضحنا!”
أما الفاشل؟
فهو يعيش حياة VIP… لأن المجتمع لا يحب الذكي، لكنه يعشق “المزعج المُطيع”.
ثانيًا: اجتماعيًا — اليمن البلد الوحيد الذي يملك طبقة راقية من المرتاحين بلا إنجاز
هنا تُبنى الطبقات لا على العمل، بل على القدرة على قول:
“ولا يهمك، حاضر عمك، تم يا فندم.”
من يجيد الانبطاح يرتفع…
ومن يحاول الوقوف يُحاسَب بتهمة الوقوف.
طبقة “الصف الأول” هم الذين لا علاقة لهم بأي شيء، لكن علاقتهم بكل من في أي شيء.
طبقة “الصف الأخير” هم الذين يحملون البلد على أكتافهم… ثم يتم رميهم.
ثالثًا: ثقافيًا — ثقافة تؤمن بأن الواسطة أقوى من شهادة MIT
الثقافة اليمنية اليوم تشبه حفلة عرس بلا موسيقى: ضجيج، وصراخ، وناس ترقص بلا إيقاع.
الكاتب مُقلق، الصحفي مزعج، المثقف يشكّل خطرًا،
بينما المصفّق هو “الصوت الوطني”.
من يقرأ كتابًا يُنظر إليه وكأنه يحضّر انقلابًا.
ومن يوزع كعكًا في وزارة يُعتبر “وجه ثقافي”.
رابعًا: اقتصاديًا — اقتصاد يُدار بمنطق: “قُل لنا من أنت نُخبِرك كم سننهب”
أجمل ما في الاقتصاد اليمني أنه لا يعتمد على قوانين السوق…
بل يعتمد على مزاج المسؤول وجرعة القات.
سعر الدولار يرتفع وينخفض مثل معنويات الشعب.
الرواتب اختفت مثل ملفات التحقيق.
والإيرادات تذوب مثل أحلام المواطنين.
والأجمل؟
الفاشل الاقتصادي يترقى…
لأنه أثبت نجاحه في أهم اختبار:
كيف تربح الملايين من بلد ينهار.
خامسًا: عسكريًا — جيش تعددي: كل فريق يحارب الثاني… والبلد تتفرج
العالم لديه جيوش…
لكن اليمن لديه مجموعة جيوش بنظام المجموعات في واتساب.
جيش شمالي، جنوبي، نصف رسمي، ثلث قبلي، ربع مستعار…
العدو غير معروف، لكن الجميع يقاتل الجميع.
الجندي بلا بندقية، والقائد يملك عشر.
ولم تنتصر أي جهة… إلا على المواطن المسكين.
سادسًا: سياسيًا — السياسة اليمنية… كوميديا سوداء من 30 موسم
القيادات السياسية اليمنية هي الممثل الوحيد الذي يُمنح عشرات المواسم رغم أن الجمهور توقف عن المشاهدة منذ التسعينات.
خطابات تعِد بما لن يأتي،
اتفاقات لا تُنفّذ،
وتنازلات تُمنح بلا سبب…
وكأن السياسة أصبحت هواية وليست مسؤولية.
سابعًا: دبلوماسيًا — سفارات تحولت إلى فلل راقية خارج اليمن
السفراء اليمنيون يعيشون حياة أجمل من حياة السياح.
بيانات مكررة، صور بروتوكولية، ابتسامات بلا مضمون.
وعندما يسألهم أحد عن اليمن:
يبتسمون بحزن ويقولون: “الله يعين”.
الدبلوماسية اليمنية لا تمثل اليمن…
بل تمثل “رغبتها في نسيان اليمن”.
دراميًا — اليمن الرواية التي تبكي وتضحك في الصفحة نفسها
أناس يهربون من وطنهم وفي قلوبهم ألف حكاية،
وأناس يجلسون على الكراسي وكأنهم مالكو الكون.
بلد يبكي المواهب التي تغادر، ويصفق للفشل الذي يبقى.
بلد يتحول من قصة معجزة إلى قصة عبرة.
الخاتمة — رؤية فخمة للخروج من حفلة الخراب
لن ينهض اليمن إلا حين تصبح الكفاءة قيمة عليا،
وحين يُكَرَّم المبدع بدل دفنه حيًا،
وحين تتحول المناصب من غنائم إلى مسؤوليات.
اليمن يحتاج ثورة…
لكن ليست ثورة سلاح،
بل ثورة عقل،
ثورة تقول:
الكرسي ليس ملكًا، والفاشل ليس قدَرًا، والمستقبل ليس ورقة يانصيب.
وحين يقرر اليمن لأول مرة في تاريخه أن يرفع الكفؤ ويُسقط الفاشل…
عندها فقط سيعود بلدًا…
لا “نكتة عالمية”.







