فيس وتويتر

هاني الكنيسي يكتب :لعبة “الأمم” الإسرائيلية .. صُنع في الصين

علّمتني المهنة أن “الأمتع” من متابعة الخبر وتطوراته، استكشاف ما وراء الخبر وحيثياته.. والأصعب، قراءة ما بين سطور شخصياته. ومهما كان الاجتهاد، ستظل بعض جوانب القصة الحقيقية أو الصورة الأوسع “معتمة” أو “ضبابية”.
هذا ما حدّثتني به نفسي الأمّارة بالفضول الصحفي، عندما تابعت جولة “التلاسن الدبلوماسي” الأخيرة بين الصين وإسرائيل في حلبة الأمم المتحدة.
إذ استغل سفير الصين لدى المنظمة الدولية ‘فو تسونغ’ مناسبة انعقاد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي أمس، ليشن هجومًا عنيفًا على إسرائيل، متهمًا إياها بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وواكب ذلك، رسالة من الرئيس الصيني ‘شي جين بينغ’ شخصيًا إلى الأمم المتحدة، بمناسبة “اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني”، أكّد فيها “دعم بلاده المستمر للنضال الفلسطيني العادل في استعادة حقوقه المشروعة”.
ليست المرة الأولى التي تتبنّى فيها الصين موقفًا “ناقدًا” لإسرائيل، لكن النبرة كان أعنف والزخم كان أشد – حسبما اتفق المراقبون، وهو ما ترجمته نبرة “التذمر” الملحوظة في تغطية الإعلام العبري للحدث.
الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل عالمياً، بحجم تبادل تجاري بين البلدين تجاوز 16.3 مليار دولار في العام الماضي، وبزيادة بلغت 11.7% عن سابقه (2023). هل من المعقول أن تجازف بكين -المعروفة بأنها لا تبالي بشيء أكثر من علاقاتها الاقتصادية- بإغضاب دولة الاحتلال ذات الحسب الغربي والنسب الأمريكي، من أجل فلسطين أو ضحايا غزة؟!
وللتذكير، ففي أكتوبر 2021، امتنعت إسرائيل عن توقيع بيان مماثل في الأمم المتحدة بشأن اتهام الصين باضطهاد أقلية ‘الأويغور’ (المسلمة).
صحيح أن “بعض الظن إثم”، لكن في مجال الأخبار وصناعة الميديا “إساءة الظن من حسن الفِطن”.
بقليل من التمحيص والربط بين الأحداث “زمنيًا”، وجدت أن البيان الصيني “العنيف” في حضرة الأمم المتحدة يأتي بعد يومين فقط من “بيان” أممي مضاد (بنكهة أمريكية) وقّعت عليه إسرائيل، في سابقة دبلوماسية غير مألوفة.
إذ وقّع المندوب الإسرائيلي على بيان تقدّمت به البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة (منشور على موقعها الإلكتروني بتاريخ 21 نوفمبر الماضي)، ووقّعته 15 دولة (من بينها بريطانيا وأستراليا واليابان وأوكرانيا ودول عدة من أوروبا الشرقية)، يعبّر عن “القلق العميق” إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، ويندد بمظاهر “قمع الأقليات العرقية والدينية”. ودعت الدول الموقعة بكين إلى “الإفراج عن جميع المعتقلين ظلمًا لمجرد ممارستهم لحقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية”، والامتثال الكامل لمبادئ “القانون الدولي”
أما المفارقة، التي دفعتني للابتسام فقط من باب أن شر البلية ما يُضحك، أنه من بين الاتهامات الموجّهة للصين -حسب صيغة البيان الأمريكي الأممي- القيام باعتقالات تعسفية، ومراقبة جماعية غير قانونية، وفرض قيود على حرية التعبير الديني والثقافي.
تصوروا يا سادة أن إسرائيل “بالذات” تنتقد هذه الأنماط والممارسات التي تتفنّن في تطبيقها على الفلسطينيين يوميًا، في المعتقلات الرسمية فوق الأرض وتحتها، وخارج المعتقلات بصور أفظع؛ في الضفة الغربية المحتلة وفي ربوع السجن المفتوح المسمّى قطاع غزة.
وبهذا المناسبة، أدعوكم جميعا لقراءة نص الرسالة التي بعثت بها -اليوم الأربعاء- منظمات حقوق إنسان إسرائيلية (وليست فلسطينية أو عربية أو حتى غربية) إلى الأمم المتحدة، والتي تعرض تفاصيل “تفنّن” سلطات الاحتلال في تعذيب الأسرى الفلسطينيين على مدى العامين الأخيرين؛ فأبقت مصابيهم مُكبّلين ومعصوبي الأعين، وأُجبرتهم على استخدام “حفاضات” لقضاء حاجتهم، كما حرمت جميع المعتقلين من الطعام .. إلى آخر ما ورد من أمثلة موثّقة في الشكوى الجماعية!
وسأترك لحضراتكم، استخلاص العِبرة من حلقات الدراما الصينية الإسرائيلية الرخيصة على مسرح “الأمم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى