أمر بقتل الشيعة وإزالة صُلبان الكنائس وإستتابة المعتزلة ومنع إنحرافات السُنة، حكم 41 عام، يعتبر أكثر خليفة غير متسامح دينياً، خلافه مع اخته كان سبب نيله الخلافة، ورؤيا حذرته فهرب، ورؤيا بشرته بالخلافة، أنهى نفوذ البويهيين، وفي زمانه تمت إعادة فتح الهند.

كتب: تامر الزغاري
ففي مثل هذا اليوم.
–
توفي الخليفة العباسي الخامس والعشرون احمد القادر بالله “الخليفة المحظوظ”.
–
وذلك في 11 ذو الحجة 422 هجري
الموافق في تاريخ 1031/11/29 م
–
وهو من مواليد بغداد عام 947م.
–
والده: الأمير إسحاق بن الخليفة جعفر المقتدر.
والدته: دمنة الرومية، وقد كانت من أهل الدين.
زوجاته: قطر الندى وبدر الدجى والأميرة سكينة البويهية.
–
–
لقب المحظوظ
–
–
يعتبر الخليفة القادر “محظوظ” وذلك لانه كان بعيداً عن نيل الخلافة ومع ذلك أخذها، وقد بدأت القصة عندما توفي والده الأمير اسحاق بن المقتدر وحصل تقسيم لميراثه بين إبنه أحمد “القادر لاحقا” وأخت أحمد، ولم ترضى اخته عن نصيبها فذهبت للخليفة الطائع وادعت ان أخاها أحمد يخطط للإنقلاب عليه وأخذ الخلافة منه وأنه طلبها في وقت مرض الطائع، فأمر الطائع بالقبض على أحمد .
وفي اثناء قدوم الحرس للقبض عليه رآى أحمد رؤيا أن رجل يقرأ عليه الآية الكريمة التالية: ” الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل “.
واستيقظ وقد قبض جنود الطائع عليه، ولم يسمحوا له حتى بأن يبدل ثيابه، فأخذه النساء من الجنود قهراً، فهرب من بيته واختبأ في منطقة البطيحة وتوالت الايام وخُلع الخليفة الطائع وتباحث رجال الدولة في من سيكون الخليفة القادم، فقرروا البحث عن أكثر أمير علاقته عدائية مع الخليفة المخلوع، فلم يكن إلا الأمير أحمد بن اسحاق، فوقع الإختيار عليه وتمت البيعة له وهو غائب.
–
–
تولي الخلافة
–
–
رأى القادر قبل توليه الخلافة بليلة أن جدول الماء الذي أمام بيته قد تحول إلى نهر عظيم أكبر من دجلة، وأن رجل في الجهة المقابلة كان يتأمله ومد يده واخذه عنده، وعندما سأله القادر من انت؟ قال أنا علي بن ابي طالب وهذا الأمر صائر إليك.
وفي اليوم التالي أتاه خبر توليه للخلافة، فبويع بعد خلع الطائع سنة 991م (381 هـ)، وكان غائباً فقدم في 10 رمضان وجلس من الغد جلوساً عاماً وهنئ.
وأنشد بين يديه الشعراء من ذلك قول الشريف الرضي:
شرف الخلافة يا بني العباس … اليوم جدده أبو العباس
ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرة ..من ذلك الجبل العظيم الراسي.
–
قال ابن الأثير: فلما وليها القادر أعاد جدتها وجدد ناموسها وألقى الله هيبته في قلوب الخلق، فأطاعوه أحسن طاعة وأتمها.
–
قال الخطيب: وكان القادر من الستر والديانة والسيادة وإدامة التهجد بالليل وكثرة البر والصدقات وحسن الطريقة على صفة اشتهرت عنه وعرف بها كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد.
–
قال ابن كثير: من خيار الخلفاء، وسادات العلماء في ذلك الزمان، وكان كثير الصدقة حسن الاعتقاد، وصنف قصيدة فيها فضائل الصحابة.
–
–
ضعف البويهيين وتحكم القادر
–
–
ثار الديلم وهم أساس قوة البويهيين وأنصار سلطانهم في عام 383هـ الموافق 993م، وكانت ثورتهم بسبب الغلاء وتأخر دفع رواتبهم، ونهبوا دار الوزير أبي نصر سابور، وخازن المال أبي الفرج محمد بن علي، واستمرت الثورة إلى أن تدخل القادر وإستمالهم بدفع رواتبهم.
–
وفي عام 384هـ الموافق 994م اجتاح العيّارون (الحرافيش) بغداد وعاثوا فيها فسادًا، استولوا على الأموال وأحرقوا عشرات المواضع، فأمر القادر بإستعمال الشدة المفرطة لقمعهم.
–
وكان القادر سابقا قد إستمال عددا من الأمراء البويهيين حينما كان في البطيحة، وكذلك تزوج من الأميرة سكينة البويهية، وزادت سيطرته عندما زاد إنقسام البويهيين، فأصبح البويهيين في العراق سواء أمراء وجنود تابعين له، ومؤمنين دينياً بنا يؤمن به الخليفة القادر.
–
–
قيام القادر بإنهاء الشيعة والأمر بصلبهم.
–
–
في سنة 398هـ الموافق 1008م، تداول بعض الشيعة فيما بينهم مصحفًا مختلفًا عن النسخة الأصلية التي يتعبّد بها عامة المسلمين، فأمر «القادر» بإحراقه، فأحدثوا شغبًا كبيرًا قابله الخليفة بالقمع والشِدة.
–
ثم وقعت فتنة بين الشيعة وأهل السنة في بغداد وكاد الشيخ أبو حامد الإسفرايني يُقتل فيها وصاح الشيعة هاتفين لحاكم مصر العبيدي “يا حاكم يا منصور”، فغضب القادر من ذلك، وأنفذ الفرسان الذين على بابه لمعاونة أهل السنة، فانكسر الشيعة وأمر القادر بصلب الشيعة ومنع التشيع، فانتهى الشيعة في بغداد بعد هذه الحادثة، ثم أمر القادر بمحاربة التشيع في كافة أنحاء الدولة العباسية، وأعلن أن التشيع جريمة، وأن كل من يعلن بأنه شيعي يجب قتله.
–
قال الذهبي: عمل على بث السُنة في ممالكه فقتل المعتـزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وَصَلَبَهُمْ وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على المنابر.
–
–
منع رفع الصلبان
–
–
وفي عام 403هـ الموافق 1013م، اعترض مسلم على رفع المسيحيين للصلبان في جنازة زوجة أحد زعمائهم ببغداد، فنشبت مشاجرة تطورت إلى فتنة بين الطرفين لم تهدأ حتى تدخل الخليفة أحمد القادر، وقرر إزالة كافة الصلبان وأمر المسيحيين بلبس لباس مميز، فتمت إزالة كافة الصلبان من الكنائس والبيوت ومنع رفعها، وتم تطبيق هذا القرار على كامل أنحاء الدولة، وحتى الولايات العباسية المسيحية تم أمر الولاة بإزالة الصلبان من عملاتهم، ولهذا نلاحظ أيضاً أن العُملات في ولاية جورجيا المسيحية التابعة للدولة العباسية لم تكن تحتوي صُلبان في عهد الخليفة أحمد القادر.
–
–
إستتابة المعتزلة
–
–
في عام 408هـ الموافق 1018م جمَعَ الخليفة علماء المعتزلة واستتابهم حتى تبرأوا من أفكارهم، ثم نهاهم عن الكلام والتدريس في كل أقوالهم المُخالِفة، متوعدًا إياهم بالعقوبات المغلظة إن عادوا لما يروّجون إليه من أفكار، وأمر بجمع كتب الفلسفة والاعتزال وعلم الكلام وقام بإحراقها.
–
–
منع إنحرافات السنة
–
–
عرف عن الشيعة عيد الغدير وتقديس قبر الحسين (ر)، فقام البويهيين عندما سيطروا على العراق بتشجيع هذا الأمر، وبعد انتشار هذه المظاهر، قام قسم من السنة بالرد على عيد الغدير وتقدير قبر الحسين (ر) بإبتداع عيد الغار في دلالة على ذكرى تواجد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع النبي صل الله عليه وآله وسلم في الغار، وكذلك إبتدعوا في البصرة قبر للصحابي الزبير بن العوام رضي الله عنه وقاموا بتقديس القبر، فأمر القادر بمنع عيد الغار كما منع سابقا عيد الغدير، وكذلك منع تقديس القبور، وأمر بمعاقبة كل مخالف، فانتهت هذه البدع، ولم تصل لزماننا، فلم يعد أحد يسمع عنها إلا في كتب التاريخ.
–
–
إعادة فتح الهند
–
–
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والامم): “دخلت سنة عشر وأربعمائة ورد إلى القادر بالله كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين يذكر فيه ما افتتحه من بلاد الهند ووصل إليه من أموالهم وغنائمهم فقال فيه: إن كتاب العبد وصل من مستقره بغزنة للنصف من المحرم سنة عشر والدين في أيام سيدنا ومولانا الأمير القادر بالله أمير المؤمنين مخصوص بمزيد الإظهار والشرك مقهور بجميع الأطراف والأقطار وانتدب العبد لتنفيذ أوامره العالية وتمهيد مراسمه السامية وتابع الوقائع على كفار السند والهند فرتب بنواحي غزنة العبد محمدًا مع خمسة عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل وأنهض العبد مسعودًا مع عشرة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل وشحن بلخ وطخرستان بارسلان الحاجب مع عشرين ألف فارس وعشرين ألف راجل وانتخب ثلاثين ألف فارس وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام وانضم إليه جماهير المطوعة.
وخرج العبد من غزنة يوم السبت الثالث عشر من جمادى الأولى سنة تسع بقلب منشرح لطلب الشهادة ونفس مشتاقة إلى درك الشهادة ففتح قلاعًا وحصونًا وأسلم زهاء عشرين ألفًا من عباد الوثن وسلموا قدر ألف ألف درهم من المورق ووقع الاحتواء على ثلاثين فيلًا وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفًا ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد وألف بيت للأصنام ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وثلثمائة مثقال وقلع من الأصنام الفضية زيادة على ألف صنم ولهم صنم معظم يؤرخون مدته لعظم جهالتهم بثلثمائة ألف عام وقد بنوا حول تلك الأصنام زهاء عشرة آلاف بيت للأصنام المنصوبة واعتنى العبد بتخريب هذه المدينة اعتناء تامًا وعمها المجاهدون بالإحراق قلم يبق منها إلا الرسوم وحين وجد الفراغ لاستيفاء الغنائم حصل منها عشرون ألف ألف درهم وأفرد خمس الرقيق فبلغ ثلاثة وخمسين ألفًا واستعرض ثلثمائة وستة وخمسين فيلًا”.
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والامم): سنة أربع عشرة وأربعمائة ورد كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين إلى القادر بالله يذكر له غزوة في بلاد الهند وأنه أوغل في بلادهم حتى جاء إلى قلعة عد فيها ستمائة صنم وقال: أتيت قلعة ليس لها في الدنيا نظير وما الظن بقلعة تسع خمسمائة ألف إنسان وخمسمائة فيل وعشرين ألف دابة ويقوم لهذا العدد بما يكفيه من علوفة وطعام وأعان الله حتى طلبوا الأمان فآمنت ملكهم وأقررته على ولايته بخراج قرر عليه وأنفذ هدايا كثيرة وفيلة ومن الطرف الغربية طائر على هيئة القمري ومن خاصته أنه إذا حضر على الخوان وكان في شيء مما قدم سم دمعت عينه وجرى منها ماء تحجر وحك فطلى بما يحك منه الجراحات ذوات الأفواه الواسعة فيحملها فتقبلت هديته وانقلب العبد بنعمة من الله وفضله.
–
–
إصدار كتاب الإعتقاد القادري
–
–
في عام 420 ه الموافق 1029م قام القادر بكتابة كتاب الإعتقاد القادري وأصدره، وحددتْ الوثيقة المعتقدات التي يجب على المسلمين اعتقادها، وتمنع معتقدات أخرى وتضعها تحت طائلة العقوبة والتنكيل، وتليت في مساجد بغداد وجوامعها وأقرها علماء أهل السنة، ثم أمر القادر بنشرها في كافة أنحاء الدولة العباسية وإلزام الناس بها، وجرم في هذه الوثيقة المعتزلة والشيعة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة.
–
قال الخطيب: كتاباً في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن.
–
–
وفاته
–
–
توفي القادر بالله في ليلة الاثنين 11 من ذي الحجة في سنة 422 هـ الموافق في تاريخ 1031/11/29 م عن سبع وثمانين سنة وكانت مدة خلافته إحدى وأربعون سنة وثلاثة اشهر، وتولى الخلافة من بعده إبنه الخليفة عبد الله القائم.
**** المصادر:
1) الإنباء في تاريخ الخلفاء، ابن العمراني
2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير
3) التفسير الكبير، الثعالبي
4) Dictionary of Saints, Donald Attwater
4) البداية والنهاية، ابن كثير
5) المنتظم في تاريخ الملوك والامم، ابن الجوزي
6) تاريخ بغداد، الخطيب
7) تاريخ الخلفاء، السيوطي
😎 سير أعلام النبلاء، الذهبي
****************