رؤي ومقالات

د.كمال مغيث يكتب :مايحدث فى التعليم (2من2)

عندما كف التعليم عن أن يكون مشروعا وطنيا

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

ولأن التعليم لم يعد فى ظل السادات مشروعا وطنيا، ولأنه أطلق العنان للرأسمالية فى جميع المجالات، فإنه لم يضع قيودا على الاستثمار فى التعليم، فهو مثلا لم يضع حدودا فاصلة بين الملكية والإدارة، ولم يحدد هامش مطلق للربح ولم يحدد نسبة الربح للملكية، ولم يضع فئات للأنفاق على مفردات العملية التعليمية أنشطة، مناهج، معلمين، ولم يضع حدود دنيا للمرتبات، وهكذا أديرت المدارس الخاصة كأى محل بقالة، فأصبح مالك المدرسة يسعى للحصول على أكبر ربح ممكن، فالمعلم يتقاضى مرتب أقل من زميله فى الحكومة ويوقع على مرتبه فى استماره مكتوبة بالرصاص لكى يتم تسويدها بمرتب أكبر بكثير، ولا يتقاضى مرتبه فى شهور الصيف، ويويقع قبل قيامه بالعمل على استمارة 6 وهى استمارة استقالة حتى لو طرد المعلم لا يكون له حق الشكوى أو التظلم أمام أى جهة، وأصبح للمدرسة الحق فى رفع نسبة الزيادة السنوية فى المصروفات بلا قيد، وإجبار أولياء الأمور على دفع تبرعات بلا حدود، ودفع مقابل مبالغ فيه للاشتراك فى “الباص” والانشطة وشراء الكتب وشراء الزى المدرسى، وراحت تلك المدارس الخاصة تتجبر فى مواجهة أولياء الأمور بسبب انهيار منظومة التعليم الحكومى وتدهورة وتهديد ولى الأمر بأخذ ملف ابنه، والقانون الذى لا يسمح بعودة تلاميذ المدارس الخاصة للمدارس الحكومية
وراحت الإدارات التعليمية المشرفة على تلك المدارس تتغاضى عن أى مخالفات مالية نظير رشاوى، وأصبح العمل فى إدارات التعليم الخاص فى المديريات التعليمية يتم بعد دفع مبلغ مالى كبير للمدير، وخاصة فى الإدارات الثرية كمصر الجديدة ومدينة نصر والزمالك وغيرها
وفى عهد فتحى سرور أكتشفت مدارس خاصة تعمل لسنوات دون أن تكون حاصلة على أى تصريح من وزارة التعليم
وساهم فى تدهور منظومة التعليم زوال خطط التنمية الشرية التى لم تعد هدفا للدولة والتى أكدت مع نمط الاقتصاد الريعى والطفيلى ان التعليم لم يعد الأداة الرئيسية للحراك الاجتماعى
وفى نفس الوقت راحت أوضاع المدارس الحكومية تتدهور شيئا فشيئا، فتدهورت مرتبات المعلمين مما جعل الدروس الخصوصية وإجبار التلاميذ عليها أمرا مقبولا، وجعل بعض المعلمين يبيعون لتلاميذهم فى الفصل تلك السلع التى يقبلون عليها فى الفسحة – شبسى وكاراتيه وبوزو وشمعدان وغيرها – وأثناء عملى مع عشرات المعلمين كنت أستمع لفنون تحايل المعلمين لكسب العيش أمام تلاميذهم وحول المدرسة: كهربائيين وسباكين، إدارة محلات بلاي ستيشن، صبيان مطاعم ومحلات ومقاه، مكارية فى الحقول، وفى إحدى الحلقات التليفزيونية التى شاركت فيها مع الراحل وائل إبراشى لمناقشة الظروف المادية للمعلمين اتصل وكيل إحدى المدارس الصناعية فى مدينة من المدن ليقول إن مرتبى أقل من ألفين جنيه، ومع هذا فأنا أؤدى عملى فى المدرسة على أكمل وجه فأطارد التلاميذ الذين يدخنون البانجو ويتبادلون الأفلام الإباحية وأعاقبهم، ولكننى فى نفس الوقت أضطر للعمل مساءا جرسونا فى “كافييه” وهنا يأتى التلاميذ الذين عاقبتهم صباحا للكافيه ليجلسوا مادين أقدامهم فى وجهى ليصفقوا على وينادونى باسمى طالبين المشاريب والشيشة والمعسل وهم يعدوننى بالبقشيش المجزى
وفى سنة 1988 حدث متغيران خطران الأول سمح فتحى سرور وزير التعليم بقبول ابناء المصريين فى المدارس القنصلية المعدة لابناء الجاليات الاجنبية فى البلاد وهو ما كان مقدمة للسماح بالمدارس الدولية، التى تخضع للوزارة شكليا رغم ذلك فهى تدار كمشروع تجارى استثمارى بلا معايير ولا شفافية، ومن تلك المدارس “مدرسة سيدز” صاحبة الكارثة الأخيرة، والثانى: أن مبارك أراد توفير 35 مليون جنيه من ميزانية التعليم، فاصطنع سرور عبر باحثين فاسدين ابحاثا تقول أن طول سنوات التمدرس لا تضيف جديدا ولذلك فقد ألغى الصف السادس من المرحلة الابتدائية، وكان كارثة مازلنا نعانى منها للآن رغم عودة السنة المحذوفة بعد ذلك بسنوات، وفى سنة 1998، وكان مبارك قد أدار ظهره للتعليم فقد ألغى كمال الجنزورى تكليف خريجى كليات التربية بالعمل فى المدارس رغم انها قد بدأت تعانى العجز فى أعداد المعلمين،
وفى سنة 2008، فى ظل وزارة يسرى الجمل، أغلق أحد المستشارين ببلطجيته باب مدرسة خاصة بالهرم أثناء طابور الصباح ودخل ليعاقب فى الطابور أحد المعلمين بسبب توبيخه لابنه أمام زملائه، كل هذا ولم تحرك الوزارة ساكنا
وشهدت سنوات السيسى أعنف تخريب لمنظومة التعليم فالمدارس الخاصة والدولية تعمل مطلقة السراح وتتحكم فى التلاميذ وأولياء أمورهم
أما التعليم الحكومى، فقد نظر إليه على أنه من الأساس عبء على الدولة تحت شعار “يعمل إيه التعليم فى وطن ضايع” الذى أطلقه السيسى، وشعار “إللى ما معهوش مايلزموش” الذى أطلقه وزيره طارق شوقى، فمنع تعيين المعلمين من الأساس ليصل العجز إلى 600 ألف معلم، وتقترح وزارة التعليم حلولا لسد ذلك العجز كالتعليم بالحصة، والتطوع، وعودة أصحاب المعاشات للتدريس وهى كلها اقتراحات أشعر كباحث تربوي بالعار لمجرد مناقشتها، وتخيل يا عزيزى القارئ مديرا يقف على باب المدرسة ليطلب من شاب عابر عاطل أن يأت بصورة شهادته ويدخل المدرسة ليدرس للتلاميذ، ولم يعد التعليم يحصل من الأموال إلا على نصف المخصص له فى الدستور، وأصبح معلمينا أفقر معلمى الأرض، وجاء طارق شوقى بالحل السحرى لتطوير منظومة التعليم “التعليم 2..” عبر استخدام التابلت كبديل للمعلم وللمدرسة وللكتاب المدرسى والامتحانات، وتنتهى سنوات التابلت وصخبها دون أن تترك أثرا لا فى معلمم ولا فى تعليم، ودون حتى أن تترك خلفها تقريرا شافيا عن التجربة، لنكتشف أن الموضوع كله لم يكن أكثر من سبوبة انفق فيها عشرات المليارات من الجنيهات، وتستمر حالة العبث والفوضى حتى اليوم حين تلغى مواد أساسية كاللغة الفرنسية والفلسفة وانت لا تعرف لماذا وماهو الهدف، ويسلق قانون لنظام جديد للبكالوريا ودون أن يجد الوزير نفسه مضطرا لمواجه الرأى العام والرد على أسئلتهم وتخوفاتهم، هذه حال تعليمنا ومؤسساته والتى سنرى العجب العجاب منها، حتى يعود التعليم مشروعا وطنيا من جديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock